الآثار الإسلامية و التكفيريين

 الآثار الإسلامية /
 آثار المدينة المنورة.. حتى لا يطوي بقيتها النسيان!


كانت المدينة المنورة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم اليها تعرف باسم (يثرب). فقد ورد اسمها بهذه الصيغة في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا).

وكانت يثرب من مدن الحجاز المتحضرة، ومركزاً تجارياً وثقافياً في عهد ما قبل الإسلام، وازدادت أهميتها ومكانتها بعد أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً اليها، إذ قال: (اللهم إنك أخرجتني من أحب أرضك إليّ فأنزلني أحب أرض إليك). وإذا كان تاريخ المدينة زاخراً في عهد ما قبل الإسلام، فإن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم قد حولها الى (مدينة) بمفهوم حضاري واضح انسحب على تسميتها فسميت بـ (المدينة)، وأصبحت مهبط ما تبقى من الوحي، وصارت عاصمة الإسلام، ومقرّاً للخلفاء الراشدين، وإليها تشد الرحال حجاً وزيارة وتبركاً: (لا تشدّ الرحال إلا الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى).
هكذا بدأت نشأة هذه المدينة الإسلامية وتخطيطها من يثرب، بعد هجرة الرسول إليها، وبها كان بداية وضع بذور المسجد الجامع، بالإضافة الى مساجد الصلوات الخمس. كانت المدينة ـ بالإضافة الى مكة ـ موضع اهتمام من قبل الخلفاء والحكام على مر العصور التاريخية، وهو ما ساعد بلا شك على ازدياد النمو العمراني فيها، كما حظيت المنشآت المعمارية بشكل عام، والمسجد النبوي بصفة خاصة، بالعناية والرعاية والتجديد والإضافة، مما أخرج هذه المنشآت عن صورتها الأولى.
أسهبت المصادر التاريخية والجغرافية، وكتب الرحلات في وصف المنشآت المعمارية، وأعمال التجديد، والإضافات التي قام بها الخلفاء والسلاطين على مر العصور بالمدينة المنورة، وكذلك في وصف ما شيدوه من مساجد، ومدارس، ورباطات، وتكايا، وحمامات، وبرك، وأسبلة، وقصور، ودور، بالإضافة الى الأسوار والبوابات وغيرها. كما تضمنت هذه العمائر كثيراً من اللوحات الكتابية التأسيسية التي نقشت بخطوط متنوعة.
ولعل المرء لا يكون مغالياً إذا أشار الى أن الجزء الواقع ضمن نطاق المدينة المنورة من طريق الهجرة النبوية الشريفة، وما ارتبط بها من أمكنة، ومعالم تاريخية، يعد أقدم الشواهد الأثرية الإسلامية بالمدينة المنورة. وعلى أية حال يمكن تقسيم الآثار الإسلامية بالمدينة المنورة الى نوعين رئيسين، هما العمارة والكتابة الإسلامية. وتنقسم العمارة الإسلامية بالمدينة المنورة، حسب وظائفها، الى:
1/ العمارة الدينية: مساجد ومدارس ورباطات.
2/ العمارة المدنية: قصور، وحمامات، وأسواق.
3/ العمارة الحربية: آطام، حصون، أسوار.
4/ المنشآت المائية: آبار، عيون، وسدود وبرك.
أولاً ـ العمارة الدينية
وتتمثل فيما اختط بالمدينة المنورة من مساجد ومدارس ورباطات وهي على النحو التالي:
أ ـ المساجد
أول ما عني به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم الى يثرب هو أن يؤسس المسجد، وقد ألحق به حجرات سكن بضلعه الشرقي، وأصبح هذا المسجد الأصل الأول للمساجد الكبرى، وتم تخطيطه بحيث يناسب إقامة شعائر الصلاة، بالإضافة الى أنه المركز الرئيس للمسلمين، حيث يبحثون فيه جميع أمور دينهم ودنياهم. كما أن المسجد كان يقوم في بداية عهده بالعديد من الوظائف التي تطورت بعد ذلك، وأصبحت لها منشآتها الخاصة، مثل التدريس والتصوف. ومن ثم صار تخطيط المسجد النبوي الشريف أساساً لتصميم المساجد الجامعة في الأقطار الإسلامية، لا سيما في القرون الأربعة الأولى من الهجرة، كما صار من أهم الطرز المعمارية لبناء المساجد في مختلف الأقطار الإسلامية على مر العصور التاريخية.
لم يكن مسجد الرسول أول مسجد بناه صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقد سبقه في التأسيس مسجد قباء، هذا المسجد الذي وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: (لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين).
انتشرت المساجد حول المسجد النبوي، وصلى عليه السلام في معظمها، وحرص الخلفاء والسلاطين على مر العصور التاريخية على الإهتمام بها، وتجديدها، وتوسيعها. كما ورد في المصادر التاريخية أن الوالي عمر بن عبد العزيز، من قبل الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، حدد الأماكن في المواضع التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم فجددها. هذا وقد شيدت على مر العصور الإسلامية المتعاقبة العديد من المساجد الأخرى في المدينة المنورة، لعل من أشهرها ما حول الحرم النبوي: مسجد المصلى، ومسجد أبي بكر الصديق، ومسجد علي بن أبي طالب، وبمنطقة قباء مسجد قباء، ومسجد الجمعة، ومساجد أخرى مثل: مسجد الفتح، ومسجد سلمان الفارسي، ومسجد عمر بن الخطاب، ومساجد خارج المدينة مثل: مسجد القبلتين، ومسجد الفضيخ، ومسجد الإجابة، ومسجد الشجرة، ومسجد السقيا، ومسجد العنبرية. ولعل أشهر هذه المساجد مسجد قباء، والمسجد النبوي، ومسجد القبلتين.
1 ـ مسجد قباء: ويقع في منطقة قباء جنوب المدينة المنورة، وهو أول مسجد بني في الإسلام، شيّده الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وصوله الى قباء، وأسسه لبني عمرو بن عوف، وكان أول من وضع حجراً في قبلته. ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه الى جوار حجر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ الناس في البنيان، وهكذا ضرب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مثلاً للقدوة الحسنة التي أمر بها الإسلام، حيث شارك المسلمين في البناء بنقل الحجارة بيده الكريمة.
اهتم الخلفاء بهذا المسجد لما له من مكانة خاصة عندهم، فهو أول مسجد بناه الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأورد الله سبحانه وتعالى ذكره في القرآن الكريم. وقد قام بترميمه وتجديده وتوسعته الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز والي المدينة من قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي عمل على توسعته وزيّنه بالفسيفساء، وشيّد له مئذنة، وسقفه بخشب الساج، وأصبح تخطيطه عبارة عن صحن أوسط يحيط به أربع ظلات.
لقي هذا المسجد كل الإهتمام والرعاية والتجديد من قبل المسلمين في العصور التالية، وكان آخر هذه التجديدات في العهد السعودي حيث بلغت مساحته الإجمالية 1440 متراً مربعاً، وكان ذلك في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز سنة 1388هـ/ 1967م، حيث زيد فيه رواق بالجهة الشمالية مع مدخل خاص للنساء، وهكذا دخلت المئذنة ضمن نطاق المسجد بعد أن كانت بارزة في الركن الشمالي الغربي في السابق.
تخطيط المسجد حالياً عبارة عن صحن مستطيل يحيط به اربع ظلات، أكبرها ظلة القبلة، وتتكون من ثلاثة أروقة، يقابلها بالجهة الشمالية رواقان، أما كل من الظلتين الجانبيتين (الشرقية والغربية) فرواق واحد، وسقفت الأروقة بالقباب، أما أرضية الصحن والأروقة فمغطاة بالرخام الأبيض.
2 ـ المسجد النبوي: ويتوسط المدينة المنورة، وقد شيّده الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم الى يثرب، وكان موقعه مربداً للتمر لغلامين يتيمين في المدينة، هما سهل وسهيل، كان قد بركت فيه الناقة التي كان يمتطيها الرسول صلى الله عليه وسلم حين دخل يثرب أول الهجرة، وابتاعه الرسول، وأمر صلى الله عليه وسلم بتمهيد أرضه وبناء المسجد. واشترك الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في البناء مع الصحابة، فقد كان ينقل اللبن والحجارة بنفسه، وكان هذا المسجد في أول أمره بسيطاً يترجم بساطة الإسلام ويسره.
أُقيم المسجد أول الأمر على قطعة أرض أطوالها سبعون ذراعاً × ستين ذراعاً تقريباً (46.55م × 39.90م) وبني أساسه من الحجارة، وجدرانه من اللبن. ولم يكن للمسجد في بداية الأمر سقف، فشكا المسلمون ذلك الى رسول صلى الله عليه وسلم، فأمر بعمل ظلّة من ثلاثة أروقة، بواسطة ثلاثة صفوف من الأساطين من جذوع النخل، وسقفه كان جريداً وخوصاً.
وبعد سبع سنوات من الهجرة تمت توسعته في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من ثلاث جهات: الشرقية والغربية والشمالية، فأصبحت أطوال المسجد تسعين ذراعاً × مائة ذراع تقريباً (59.85م × 66.5م). وتخطيطه صحن أوسط، يحيط به ظلتان: ظلة القبلة من ثلاثة أروقة، بواسطة ثلاثة صفوف، كل صف به تسع سوار من جذوع النخل: خمس على يسار المسجد نحو الغرب، وأربع من يمينه نحو الشرق.
وظلت أماكن هذه السواري يقام فيها الأعمدة، عند أي تعمير في المسجد، وصار جدار المسجد الشرقي ملتصقاً ببيوت (حجرات) زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصبح للمسجد آنذاك ثلاثة أبواب، ظلت في أماكنها هي الأخرى بعد ذلك، ومازالت تعرف بأسمائها وهي: باب جبريل في الشرق، وباب النساء في الشمال، وباب الرحمة في الضلع الغربي. وعندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى دفن في حجرة السيدة عائشة التي توفي فيها، ومن ثم تحولت الى قبره الشريف.
اهتم الخلفاء الراشدون بالمسجد النبوي، فجرت توسعته في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17هـ/ 637م، وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 29هـ/ 649م، فهدم المسجد وأعاد تشيده وعمارته، وأصبحت اطواله (160 × 130 ذراعاً ـ 106.4م × 86.45م) وشيده بالحجارة المنقوشة والجص، وجعل أعمدته من الحجر المنقوش، وسقفه بالساج، وبنى بداخله مقصورة من الحجر كما أصبح للمسجد ستة أبواب.
بقي المسجد على حاله ما يقرب من ستين سنة حتى أجرى الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك عمارة هامة فيه من الناحية المعمارية والفنية، على يد واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز سنة 88هـ/ 706م، وبدأت عملية الهدم، وفُرغ من العمارة والبناء بعد ثلاث سنوات، ولذلك حدثت ـ لأول مرة ـ توسعة للمسجد النبوي جهة الضلع الشرقي، حيث ضمت حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم للمسجد، وزودت الحجرة النبوية الشريفة التي دفن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بضلع خامس، وذلك لكي يختلف شكلها عن شكل الكعبة المشرفة، وجعل الجدار الشرقي للمسجد منحرفاً لا عمودياً على جدار القبلة. كما زوّد المسجد لأول مرة بأربع مآذن.
واتخذت المقصورة التي بظلة القبلة من الساج، كما أدخل عمر بن عبدالعزيز لأول مرة المحراب المجوف في جدار القبلة. هذا من الناحية المعمارية، اما من الناحية الفنية، فقد كسيت جدران المسجد من الأسفل بألواح الرخام، يعلوها زخرفة بفسيفساء من فصوص الزجاج الملون، وسقف بخشب الساج المزين بالزخارف المدهونة المذهبة. وأصبحت أطوال المسجد بعد التوسعة (167.5 × 200 ذراعاً ـ 111.39م × 133م) يتكون من صحن أوسط، تحيط به أربع ظلات، أكبرها ظلة القبلة، وتتكون من خمسة أروقة، يقطعها مجاز قاطع (بلاطة عمودية) تنتهي بدخلة المحراب، ويعلو مربع المحراب قبة. والظلة الثانية من خمسة أروقة أيضاً، أما الظلة الغربية فتتكون من أربعة أروقة، بينما الظلة الشرقية فتتكون من ثلاثة أروقة.
بقيت عمارة الوليد في المسجد النبوي دون تغيير يذكر حتى تولى الخلافة الخليفة العباسي المهدي، فأمر بعمارته في سنة 161هـ/ 777م، وقيل أن ذلك تم في السنة التالية، وانتهى من العمارة سنة 165هـ/ 781م، واقتصرت على توسعته من جهة الشمال بقدر خمسة وستين ذراعاً (43.225 متراً) وقيل إن مؤخره زخرف بالفسيفساء.
احتفظ المسجد النبوي بنظامه وتخطيطه على ذاك، ولكنه جدد على يد سلاطين المماليك دون توسعات، ومن أهم تجديدات سلاطين المماليك تلك التجديدات التي أمر بها السلطان قايتباي (1474 ـ 1476م). وقد اهتم أيضاً سلاطين آل عثمان بالمسجد النبوي، حيث شهد في عهدهم تجديدات وتوسعات. وكان أول من قام منهم بإصلاحات فيه السلطان سليمان القانوني (926ـ974هـ/ 1520ـ1566م).
أما في عصر السلطان محمود الثاني (1223-1255هـ/ 1808ـ1839م) فقد حظيت قبة الحجرة النبوية الشريفة بالإهتمام، فهدمت القبة التي أُقيمت على عهد السلطان قايتباي المملوكي لوجود شروخ بها، وتم تشييد قبة جديدة وغطيت بالرصاص، ودهنت باللون الأخضر، وذلك سنة 1228هـ/ 1813م. كما كسيت الجدران الخارجية للحجرة النبوية الشريفة بالبلاطات الخزفية (القيشاني) العثمانية الطراز.
أما في عهد السلطان عبدالمجيد الأول (1255ـ1277هـ/ 1839ـ1861م) فقد شهد المسجد النبوي أكبر عمارة في العصر العثماني، حيث أُعيد بناء المسجد وزخرفته، واستغرقت عمارته اثني عشر عاماً، من سنة 1265هـ حتى سنة 1277هـ/ 1848ـ1861م، وتكلفت تلك العمارة ثلاثة أرباع مليون جنيه مجيدي، وأصبحت مساحة المسجد مستطيلة المسقط (116.25 م طولاً وعرضه من جهة القبلة 86.25 متراً، ومن الجهة الشمالية 66 متراً).
وكان للمسجد خمسة أبواب: (السلام والرحمة في الغرب، النساء وجبريل في الشرق، والباب المجيدي بجهة الشمال)، وله خمس مآذن، في كل ركن من أركانه مئذنة، وجميعها على الطراز العثماني، حيث تم تجديدها في ذلك العصر، باستثناء المئذنة الموجودة بالزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد بجوار القبة الخضراء فهي على الطراز المملوكي.
وأخيراً في العهد السعودي شهد المسجد النبوي الشريف توسعات وإصلاحات كثيرة، وأخذ صورته الجميلة الحالية. وفي عهد الملك فهد شهد المسجد النبوي أكبر توسعة على مر التاريخ الإسلامي، بل أن هذه التوسعة شملت معظم مساحة المدينة المنورة القديمة، ونفذت على أعلى مستوى معماري من الناحية الهندسية والفنية، واستخدمت في البناء أرقى المواد من المرمر والرخام الملون وغير الملون والأخشاب النفيسة والمعادن الغالية، والمظلات الكهربائية، مع الحفاظ والإبقاء على العمارة الإسلامية السابقة، والمواءمة بينها وبين العمارة الإسلامية الحديثة.
3 ـ مسجد القبلتين: هذا المسجد شيّده بنو سواد بن غنم بن كعب على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وسمي بهذا الإسم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يستقبل الكعبة بدلاً من بيت المقدس بينما كان يصلي صلاة الظهر فيه في 15 شعبان سنة 2هـ/ 624م. وتشير بعض المصادر الى أن التحول كان في صلاة الظهر بالمسجد النبوي، وأن المصلين في مسجد بني سواد أتاهم آت فأخبرهم بتحول القبلة بعد أن صلوا ركعتين، فاستداروا جهة الكعبة، لذلك سمي مسجد (القبلتين).
حظي هذا المسجد بعناية ورعاية الخلفاء والحكام المسلمين بالتوسعة والتجديدات أهمها التجديد الذي أدخله عمر بن عبدالعزيز والي الوليد بن عبدالملك على المدينة . وتشير المصادر التاريخية الى أن المسجد جدد في العصر المملوكي، كما جدد في العصر العثماني في عهد سليمان القانوني سنة 950هـ (1543ـ1544م) وآخر هذه التجديدات تم في العهد السعودي.
يقع المسجد في الطرف الشمالي الغربي من المدينة على هضاب حرة الوبرة، ويشتمل تخطيطه على صحن مستطيل المسقط يتقدم ظلّة القبلة من ثلاثة أروقة، وتقع مئذنة المسجد في الركن الشمالي الشرقي من الصحن.
ب ـ المدارس
تخدم المدارس طلاب العلم المجاورين، بيد أن المصادر التاريخية والجغرافية لم تزودنا بمعلومات وافية عما شيد منها في المدينة المنورة، إلا أن المسجد النبوي الشريف ظل منارة علم، من خلال حلقات الدروس والمواعظ المقامة فيه لشرح تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. وقد ظهرت المدارس في المدينة المنورة في العصور المتأخرة، وأنشئت بالقرب من المسجد النبوي.
من أشهر هذه المدارس المدرسة الشيرازية، التي أنشأها إبراهيم الرومي في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، والمدرسة الجوبانية، التي أنشأها سنة 724هـ/ 1323م، جوبان أتابك العساكر المغولية، والمدرسة الأشرفية التي أنشأها السلطان الأشرف قايتباي سنة 887هـ/ 1482م.
وفي الفترة العثمانية ازداد عدد المدارس، منها مدرسة إبراهيم الخياري، والمدرسة المحمودية. ومن المدارس التاريخية المشهورة، المدرسة الرستمية، ومدرسة حسين آغا، ومدرسة الوزير علم الدين. ومع مطلع القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، بلغ عدد المدارس الدينية 17 مدرسة، والمدارس الرشدية 5 مدارس، ومدرسة واحدة لتعليم الخط، وبلغ عدد الكتاتيب 13 كتّاباً. وفي سنة 1327هـ/ 1918م انشئت دار المعلمين.
ج ـ الرباطات
كان بالمدينة المنورة الى عهد قريب عدد من المدارس والرباطات والمكتبات والتكايا والسبل والمستشفيات والوكالات التجارية، حيث كان بها 18 مكتبة، و17 مدرسة، و8 تكايا، و21 سبيلاً، و108 رباطات للفقراء.
ونشأت الرباطات في المدينة المنورة في الأحياء المحيطة بالمسجد النبوي، وهي أبنية خصصت لإقامة المجاورين والزائرين والمنقطعين من الغرباء وطلاب العلم. وكان كل رباط مخصصاً لفئة معينة من احد الأقطار الإسلامية، أو لمذهب من المذاهب، وبعض هذه الرباطات كان موقوفاً على النساء دون الرجال.
ومن المرجح أن أقدم رباط بالمدينة المنورة كان ذلك الرباط الذي شيد في موضع دار عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 423هـ/ 1031م. والجدير بالذكر أن الرباطات بلغت زمن السخاوي (831 ـ 902هـ) ما يقارب أربعين رباطاً. وفي مطلع القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، بلغت حوالي (108).
ومن أشهر الرباطات المبكرة رباط الناصر لدين الله (بني سنة 570هـ/ 1174م) ورباط المراغي (بني سنة 599هـ/ 1202م) ورباط جمال الدين الأصفهاني (بني في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي) ورباط السبيل (بني سنة 620هـ/ 1323هـ). أما أقدم الرباطات الباقية بالمدينة، فهو رباط ياقوت المارداني، في حارة البقيع بالمنطقة المعروفة بـ (حارة الأغوات) بالجهة الشرقية من المسجد النبوي. وقد أقيم طبقاً للنص التأسيس على المدخل سنة 706هـ/ 1306م، خلال حكم السلطان محمد بن قلاوون، وقد خصص لسكن الرجال الغرباء دون النساء.
ثانياً ـ العمارة السكنية
هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة الى المدينة المنورة، فنتج عن ذلك تزايد أعداد المهاجرين، مما قاد بالتالي الى إكساب المدينة المنورة أهمية سياسية واقتصادية ودينية، فزادت تبعاً لذلك سعتها عما قبل. وتركز استقرار المهاجرين بادئ الأمر في الأراضي البور والمزارع التي تحولت تدريجياً الى مناطق مأهولة، ونتيجة لهذه الزيادة المضطردة في السكان تعددت المرافق الرئيسية والخدمات في شتى أرجاء المدينة المنورة.
أ ـ القصور:
تحتضن عاصمة الإسلام الأولى أقدم الشواهد الأثرية الإسلامية، حيث شيدت القصور والمزارع والضياع، وتعددت الدور والمرافق الرئيسية والخدماتية في مختلف أرجاء المدينة المنورة. ففي العصر الأموي شهدت المدينة المنورة نهضة عمرانية واسعة، تمثلت في بناء القصور والدور التي أنشأها الصحابة والتابعون والأمراء والأثرياء، وتركزت غالبية تلك القصور في وادي العقيق المشهور بوفرة مياهه وخصوبة أرضه. وارتبطت بتلك القصور ملاحق أخرى، كالدور، والآبار، والبرك، والسدود، والبساتين. ويذكر أحد مؤرخي المدينة المنورة المتأخرين أن عدد القصور التي كانت قائمة على ضفاف وادي العقيق، تبلغ أكثر من سبعين قصراً. كما تزخر المصادر التاريخية والجغرافية والأدبية بمعلومات وافرة عن وادي العقيق، وما شيد على ضفافه من قصور ودور.
لا تزال آثار بعض قصور وادي العقيق باقية ومشاهدة. ويذكر أن عدد القصور التي يعرف أصحابها بلغ أحد عشر قصراً، من أشهرها قصر هشام بن عبد الملك، وقصر عروة بن الزبير، وقصر سعيد بن العاص، وقصر المراجل. ومن القصور المشهورة أيضاً قصر عاصم بن عمرو بن عمر بن عثمان بن عفان الواقع في الجهة الغربية من وادي العقيق. وقد شاهد هذا القصر عدد ممن كتبوا عن المدينة المنورة. ويذكر أن مساحته تبلغ قرابة 900 متر مربعاً، وقد بني من الحجارة المغطاة بطبقة من الجص. أما الغرف فيبلغ عددها ثمان غرف مع بعض المرافق داخل الفناء، وألحقت به من الخارج بعض المرافق الإصطبلات والمخازن، ودكة للسمر، فضلاً عن بعض الغرف الملاصقة لسور القصر من الناحية الجنوبية.
ومن الدور المشهورة بالمدينة المنورة دار كلثوم بن الهدم، ودار سعد بن خيثمة، ودار ابي أيوب الأنصاري، ودار عبد الله بن عمر، ودار جعفر الصادق، ودار عثمان بن عفان، ودار أبي بكر الصديق، ودار ريطة، ودار خالد بن الوليد، ودار عمرو بن العاص، ودار مروان بن الحكم.
ب ـ الحمامات:
المصادر التاريخية لا تحتوي على معلومات وافرة عن تحديد البدايات الأولى لظهور الحمامات، بيد أنها تشير الى أنها بدأت تنتشر في العصر الأموي. يذكر أن جرير بن عبدالله البجلي (ت 51هـ/ 671م) كان له حمام في العاقول، كما يوجد بها حمام آخر بني في عهد نور الدين محمود زنكي سنة 558هـ/ 1162م عندما شيد سور المدينة.
وكذلك حمام داخل المدينة (ويعرف حالياً باسم حمام طيبة) بناه السلطان سليمان القانوني سنة 973هـ (1565ـ1566م) ثم جدد بناؤه في عهد السلطان محمود الثاني سنة 1254هـ/ 1838م، حسب النص التأسيسي الذي كان مثبتاً فوق باب الحمام.
وقد شيد الحمام من الحجر البازلت، وله مدخل معقود بعقد مدبب يقع في دخلة غير عميقة، ويؤدي الى المسلخ مباشرة، ومسقطه مربع، ويتوسط أرضيته حوض للمياه ذو مسقط مثمن يرتفع عن مستوى الأرضية بحالي مترو واحد، وبسقفه قبة ترتكز على حنايا ركنية، وفي نهايته فتحة باب تؤدي الى ممر منكسر ـ على جانبه الأيمن دورات مياه ـ يؤدي الى بيت الحرارة، وهو مربع المسقط مغطى بقبة كبيرة مثقبة ومزدانة بزجاج غير شفاف. وغطت أرضية الحمام برخام، وبها فتحات لتصريف المياه.

ج ـ الأسواق

تذكر المصادر التاريخية أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختط سوق المدينة المنورة وقال: (هذا سوقكم فلا ينقص منه ولا يضربن عليه خراج). ومع تطور المدينة وتوسعها في العصر الأموي، شهد السوق ظهور الدور التي أقامها خلفاء بني أمية، حيث بنى هشام بن عبد الملك داراً عظيمة في السوق، وجعل لها أبواباً، وجعل لدار السوق حوانيت في أسفلها.
ثم بعد ذلك تطورت أسواق المدينة المنورة في العصر العباسي وما تلاه من عصور، فقامت الأسواق مصطفة على امتداد الأزقة والممرات. وقد توزعت اسواق المدينة وتنوعت حسب السلع والصناعات المعروضة بها. وتذكر المصادر أسواقاً عديدة من أشهرها: سوق الحبابة، وسوق التمارة، وسوق السمانة، وسوق الرواسة، وسوق الفلتية، وسوق الخضرية، وسوق الدلالين، وسوق الجزارة، وسوق العطارة، وسوق القماشة، وسوق الخردية، وسوق الحدرة (سويقة)، وسوق المناخة.
وفي مطلع القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي) كان بالمدينة المنورة قرابة 932 حانوتاً ومخزناً، وأربعة متاجر كبيرة (وكالات).
ثالثاً ـ العمارة الحربية
تتمثل العمارة الحربية فيما شيد من آطام وحصون وأسوار وابراج، إضافة الى الخنذق الذي نفذ في معركة الخندق في شوال سنة 5هـ/ 626م. تذكر المصادر أن عدد الآطام في المدينة المنورة زمن وصول النبي صلى الله عليه وسلم إليها، بلغ 199 أطماً، منها 127 تعود ملكيتها للأوس والخزرج (الأنصار) و 11 لقاطنيها من العرب، و 59 لليهود.
وهذه الآطام عبارة عن تحصينات عسكرية استفاد منها المسلمون ـ خاصة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ـ في أوقات الحروب والنزاعات، فقد كانت مأوى وملجأ للنساء والأطفال والشيوخ والعجزة في معركة الخندق في شوال 5 للهجرة. وما تزال أطلال بعض الآطام باقية حتى اليوم، مثل: حصن كعب بن الأشرف، وأطم الضحيان الذي شيده أحيحة بن الجلاح، وأطم أبي دجانة الساعدي الأنصاري.
من التحصينات الدفاعية المعروفة، الأسوار والبوابات والأبراج. ونظراً للمخاطر التي كانت تتعرض لها المدينة المنورة فقد أحيطت بسور لحمايتها ابتداءً من سنة 263هـ/ 876م، ثم أعيد بناء السور وجدد في حقب زمنية متعاقبة، حيث اعيد بناؤه وجدد في سنة 370هـ/ 980م، وكذلك في سنة 558هـ/ 1162م، وأيضاً سنة 755هـ/ 1354م، ثم في سنة 946هـ/ 1539م.
وتذكر المدونات التاريخية ان السور في العمارة العثمانية كان يرتفع الى 25م، وبه 40 برجاً تشرف على ضواحي المدينة للدفاع عنها. بيد أن هذا السور قد هدم في سنة 1368هـ/ 1948م نتيجة لتطور وتوسع المدينة، فهدف من ذلك فك الإختناق وتسهيل الحركة، ودمج الأحياء بعضها ببعض، فضلاً عما تم للمسجد النبوي الشريف من توسعات شملت معظم مساحة المدينة المنورة القديمة.

رابعاً ـ المنشآت المائية

تتمثل المنشآت المائية بما حفر وشق من آبار وعيون، وبما شيد من سدود وبرك. فقد أوردت المصادر ما اشتهرت به المدينة المنورة من آبار وعيون، منها ما كان موجوداً عند الهجرة النبوية الشريفة، ومنها ما أحدث في العصر الإسلامي. وقد بلغ عدد الآبار المشهورة ما يقارب 23 بئراً، تزود المدينة بما تحتاجه من مياه، منها: بئر أريس (بئر الخاتم)، وبئر بضاعة، وبئر انس بن مالك، وبئر غرس، وبئر عثمان بن عفان (بئر رومية)، وبئر معونة، وبئر عروة بن الزبير.
هذه الآبار منا ما دخل ضمن نطاق التوسعات التي تمت في المسجد النبوي الشريف، ومنها ما دخل ضمن نطاق الأملاك الخاصة. فقد ذكرت المصادر أن عدد العيون في المدينة المنورة بلغ قرابة 44 عيناً، كما اشتهرت المدينة بوجود عدد من القنوات خاصة تلك التي شقها مروان بن الحكم (والي المدينة المنورة زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان) الذي شق عين الشهداء، وكذلك عين الزرقاء، وهي العين التي عهدها بالرعاية والعناية الخلفاء والأمراء المسلمون حتى العهد الحالي.
أما فيما يتعلق بالسدود، التي تعتبر من أهم المنشآت المائية التي عرفتها المدينة المنورة منذ فجر الإسلام، فإن الباقي منها حتى اليوم قليل مقارنة بما كان سائداً في العصور الإسلامية الأولى، ومنها سد عاصم الواقع في شرقي جماء تضارع، الذي يبلغ طوله قرابة 36 متراً، وعرضه 2.5 متراً، وكذلك سد عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان (سد عنتر) الواقع في وادي رانوناء، وهو يتكون في الواقع من ثلاثة سدود متصلة أطوالها 65، 49، 85 متراً.
أدى الدين الإسلامي بصفة والرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، دوراً عظيماً فيما يتعلق بانتشار القراءة والكتابة في مطلع الإسلام. ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم ما يحض على تعلم القراءة والكتابة، حيث قال المولى سبحانه: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم).
وقال تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) وغيرها من الآيات التي لها دلالات واضحة تشي الى عظيم شأن الكتابة وعلو مكانها. كما أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حض على تعلم القراءة والكتابة، سواء من خلال أحاديثه الشريفة، أو أفعاله الكريمة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ له ما يوصي فيه يبيت ثلاث إلا ووصيته عنده مكتوبة) وقال عليه السلام: (قيدوا العلم بالكتابة). ومن أفعاله الكريمة ما ترويه المصادر التاريخية أنه صلى الله عليه وسلم قد طلب يوم بدر ممن لا يستطيع أن يفتدي نفسه من أسرى قريش أن يقوم بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.
وعلى الرغم من المكانة المرموقة والدور الرائد الذي لعبته المدينة من حيث تطور الخط العربي والعناية به، إضافة لما تحويه من مخزون هائل من النقوش العربية التي بدورها تغطي مختلف العصور الإسلامية، وعلى الرغم من أن الكتابات الإسلامية تأتي في المقام الأول بين المصادر الآثارية الأصيلة التي يصعب الطعن في قيمتها أو التشكيك في صحتها، إلا أن المختصين في علم الكتابات الإسلامية لم يبرزوا دور المدينة في تطور الخط العربي ونشره في مختلف أصقاع العالم الإسلامي. فقد أهملت إهمالاً تاماً، ولم تحظ إلا ببعض الجهود الفردية.
تزخر منطقة المدينة المنورة ـ كما تمت الإشارة ـ بكم هائل من النقوش الإسلامية التي تغطي بدورها مختلف العصور، ويمكننا تقسيم المنطقة الى قسمين، هما:
القسم الأول ـ نصوص وثقتها المدوّنات التاريخية، ولكن أصولها مفقودة: ويأتي على رأس هذه القائمة ما أوردته المصادر من كتابة وتوثيق آيات القرآن الكريم زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والتي قام بكتابتها كتبة الوحي على الرق، وعسب النخيل، واللخاف، وعظام الأكتاف، وغيرها من المواد التي كانت متوافرة في تلك البيئة وذلك الزمان.
وكذلك مكاتبات الرسول صلى الله عليه وسلم الى الأمراء والملوك والقياصرة والأباطرة التي دعاهم فيها الى الإسلام، وغيرها من مكاتباته صلى الله عليه وسلم. وما ظهر أخيراً واصبح متداولاً أو محفوظاً في بعض المتاحف على أنها رسائل للرسول صلى الله عليه وسلم فمشكوك في أمرها، بل أن أكثر المختصين يصمونها بالمزورة.
ويندرج أيضاً تحت هذا القسم ما أوردته المصنفات التاريخية بشأن الصحيفة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابتها لتكون دستوراً يهدف الى تنظيم الحياة العامة للمجتمع الإسلامي ويحدد علاقاته فيما بين أفراده، وما بين أفراد المجتمع الإسلامي والمجتمعات الأخرى.
كما تزخر المدونات التاريخية بالعديد من شواهد المكاتبات الرسمية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين، إلا أننا نفتقد لأصولها، ومنها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ مكاتبات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عند إقطاعه للأراضي، التي وثقتها المصادر التاريخية والتي منها ـ على سبيل المثال ـ ما يلي:
(بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله بلال بن الحارث المزني أعطاه من العقيق ما أصلح معتملاً إن صدق)، وكتبه معاوية، ثم ختمه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بخاتمه المنقوش عليه (محمد رسول الله).
بالإضافة الى مكاتبات الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولاته وقواد جيوشه خلال الفتوحات الإسلامية وبعدها.
ولا بد من الإشارة الى أن ثمة أعداداً هائلة من النقوش التأسيسية والشاهدية التي تمثل مختلف العصور، والمذكورة في المدونات التاريخية لا تزال مفقودة حتى الآن، منها، على سبيل المثال، ما تشير اليه المصادر التاريخية من وجود حجر منقوش على باب بئر أريس فيه ذكر لإحدى صدقات عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ويندرج تحت هذا أيضاً ما يطلق عليه المصاحف العثمانية التي تحتفظ بها بعض المكتبات الإسلامية، والمتاحف والمساجد الأثرية التاريخية، وهي مصاحف تنسب للخليفة عثمان بن عفان، بيد أنها في واقع الأمر تعود لحقبات زمنية متأخرة، فضلاً عن أنها لم تكتب بخط واحد، فهي تتباين في خطوطها، ويتضح أنها لم تدون في عصر واحد. ومن الممكن بكثير من الإطمئنان، أن نخلص الى أن ما هو موجود الآن في متحف طاشقند والمشهد الحسيني بالقاهرة، ومتحف الآثار الإسلامية باستانبول، ومتحف طوب قابي سراي باستانبول، ما هي إلا نسخ متأخرة زمنياً عن فترة خلافة عثمان بن عفان، ولعله من الأرجح أنها نسخت عن أصل عثماني قديم.
وتشير المصادر أيضاً الى ما قام به السلطان العادل نور الدين محمود زنكي في سنة 558هـ/ 1162م عند بنائه سور المدينة وكتابته اسمه على باب البقيع، وصورة النص في الحديد المصفح به الباب ما نصه: (هذا ما أمر بعمله العبد الفقير الى الله تعالى محمود بن زنكي بن أقسنقر غفر الله له، سنة 558هـ). وتذكر المصادر التاريخية أيضاً أنه كان بجانب قصر مسلمة بن عبدالله بن عروة بن الزبير حجر مكتوب عليه ما نصه: (أنا مسلمة بن عبدالله بن عروة بن الزبير اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله على ذلك أحيا وأموت وأبعث إن شاء الله).
كما تشير المصادر ايضاً الى ما قام به زياد بن عبيدالله، عندما كان والياً على المدينة لأبي العباس في سنة 138هـ/ 755م، من عمل رحبة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابته على لوح من ساج مضروب بمسامير، وفيه: (أمر عبدالله عبدالله أمير المؤمنين أكرمه الله بعمل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة هذه الرحبة توسعة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن حضره من المسلمين في سنة إحدى وخمسين ومائة ابتغاء وجه الله والدار الآخرة…).
كذلك ما ذكره السمهودي عندما أشار الى قبر كتب عليه ما نصه: (أنا أسود بن سواده رسول رسول الله عيسى ابن مريم الى أهل هذه القرية). كذلك فإن النصوص التي كانت مدونة في المسجد النبوي الشريف، بالرغم من فقدان أصولها، إلا أنها ماتزال مسطرة في كتابات المؤرخين والرحالة الذين زاروا المسجد النبوي ودونوا مشاهداتهم عنها، ومن أبرزهم الحربي في كتابه (المناسك) الذي أشار فيه الى النصوص كافة المتعلقة بالمسجد كل في موضعه. أيضاً ابن رسته الذي قرأ هذه النصوص ـ كما صرح هو بذلك ـ في أثناء زيارته للمسجد سنة 290هـ/ 902م.
القسم الثاني ـ نصوص إسلامية موجودة اصولها: على الرغم من أهمية حقبة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وما تخللها من أحداث جسام، ومكاتبات عديدة، إلا أن ما وصلنا من تلك الحقبة يعد قليلاً جداً. أما الحقب الإسلامية التالية فنماذجها أكثر من أن تحصى. وعلى أية حال، يمكن تقسيم الكتابات الموجودة أصولها الى الفروع التالية:
أ ـ النقوش التأسيسية
تعتبر النقوش التأسيسية من أهم المصادر التي توثق لإقامة المنشآت الدينية، والمدنية والحربية، واسماء وألقاب من أمروا أو قاموا على بنائها. كما أنها تحدد أزمنة إنشاء أو ترميم أو تجديد المنشآت المعمارية كالمساجد والخانات والمنشآت المائية والقلاع والحصون وغيرها.
وتزخر منطقة المدينة المنورة بالعديد من النقوش التأسيسية التي تغطي مختلف الحقب. ففي العصور المتأخرة هناك عدد من اللوحات التأسيسية التي تتعلق بعمارة أو تجديد الحرم النبوي وبعض المرافق العامة كالمساجد والرباطات والعيون، ومن اهم النصوص التأسيسية الموجودة، والتي تؤرخ لتشييد او تجديد لبعض المنشآت المعمارية في الجزيرة العربية، ما وجدت في المسجد النبوي الشريف، فقد أرّخت ما مر به المسجد من تجديدات وإضافات وتوسعات وعمارة على مر العصور التاريخية الإسلامية، وغير ذلك من نصوص تأسيسية.
ب ـ النقوش التذكارية
وهي من المصادر التي يعول عليها في فهم مجمل أحوال المجتمعات الإسلامية المبكرة. فهي تعكس جوانب عديدة من حياة تلك المجتمعات سواء الإجتماعية أو الإقتصادية أو اللغوية أو الدينية وغيرها.
إلا انه يغلب على هذه النوعية من النقوش المسحة الدينية، فغالبيتها عبارة عن مأثورات وأدعية دينية كتبت لطلب المغفرة والدعاء والتوبة والترحم وتأكيد الإيمان وغير ذلك من المصطلحات الدينية الإسلامية.
قام بكتابة هذه النقوش السكان المقيمون أو القاصدون للأماكن المقدسة بهدف الحج والعمرة او للتجارة. وتبدا في تاريخها من القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، وحتى عهود متأخرة، والمؤرخ منها قليل مقارنة بما هو غير مؤرخ.
وتعتبر نقوش جبل سلع أقدم ما وصل من هذه النوعية من النقوش حتى الآن، حيث تنسب في تاريخها الى السنة الخامسة للهجرة، إلا أن هناك أعداداً كبيرة من النقوش المؤرخة وغير المؤرخة التي تنتشر في المناطق القريبة من المدينة، والتي يصعب حصرها أو إبراز أهمها في مثل هذا المقام.
ج ـ النقوش الجنائزية (شواهد القبور)
وتتضمن معلومات قيمة سواء فيما يتعلق بالأسماء والكني والألقاب والأنساب وتواريخ الوفاة (التي في أحيان كثيرة تحدد اليوم والشهر والسنة) أو فيما يتعلق بالخط وما يلحقه من عناصر زخرفية متنوعة، إضافة لمضامينها الدينية واللغوية.
فلقد كشف عن العديد من النقوش الشاهدية في المناطق القريبة من المدينة المنورة مثل: الربذة، وبدر، وجبل الرس، وغيرها من المواضع. وبعض هذه الكتابات الشاهدية محفوظة في المتاحف الإقليمية، وبعضها الآخر مازال باقياً في مواقعه الأصلية، هذا وقد درس عدد منها وبقي المئات لم يدرس.
د ـ النقوش الزخرفية
واستخدمت الكتابات للتوثيق، كما استخدمت لتؤدي دوراً رئيسياً كعنصر زخرفي، حليت به الأعمدة، والعقود، والدعائم، والمحاريب، والقباب، والمآذن، والواجهات، وكسيت به جدران المساجد، والأبواب والشبابيك والأسقف.
==========================================================================================================================

قبور أئمة البقيع جوهر العلم وعمق التوحيد




ما زالت فجيعة البقيع تجسد الصورة التراجيدية – المأساوية – للتفكير الجاهلي للدين السامري الأموي الخارجي لخوارج هذه الأمة في العصر الحديث، الذين تسربلوا بالعباية الدينية المقلوبة، ووضعوا على أعينهم نظارات مقعرة، لا ترى إلا ضباباً مشوهاً يحجب نور الشمس الساطع، تحركهم سيمفونية الإيقاع السياسي الدولي والإقليمي للقردة الذين نهبوا اللباب لموز الثروات وتركوا قشر الموز يتزحلق عليه الخوارج السامريون الأمويون.
إن الأيدي الآثمة لخفافيش الظلام وغسق الليل – التي انعقد لسانها عن توحيد الكلمة تحت راية الحق فضلاً عن كلمة التوحيد، لأن نور الشمس الهادي يعشي أعينها الرمداء الضالة، فلا تتمكن من الطيران وتعجز عن السباحة إلا في الظلام – ما فتئت تنعق جهلاً بالتكفير والتشريك والتبديع لكل من يملك بصيصاً من النور يستضيء به الطريق ويمحو ظلامهم من أغشية الناس، وما زالت ولن تزال تدس رأسها كالنعامة في التراب هروباً من الحوار الهادف، والمجادلة بالتي هي أحسن، ومجادلة الدليل بالدليل، ومقارعة البرهان بالبرهان، لأنها لا تملك عقيدة إلا قرن الشيطان، ولا لساناً إلا منطق الطغيان، ولا عملاً إلا جور السلطان.
إن أيدي الغدر لمخالب السباع الجبانة لم تجد فريسة تنهشها في الثامن من شوال لعام ألف وثلاث مائة وأربعة وأربعين للهجرة إلا مقبرة البقيع، فتطاولت بمعاول الهدم ظلماً وجوراً وعدواناً وكفراً بآية المودة على حرمات الله، وشعائر دينه، ومنارات رسالاته، وترجمان وحيه، أئمة الهدى، وقادة الورى، وعترة المصطفى لكي تحولها إلى أطلال شاحبة، وأحجار متناثرة، وأنوار مطفأة بعد أن كانت ولن تزال – رغم العدى والعناد – منارات هدى يهتدي بها المتقون، وقبب طهارة يتطهر فيها المخلصون، ومحطة عروج يعرج منها المقربون.
إننا في هذا اليوم الثامن من شوال من هذا العام – حيث مضى على هدم قبب البقيع خمسة وثمانون عاماً – ومن كل عام[1]، أدعو نفسي وأحرض جميع المؤمنين وبالخصوص محبي أهل البيت عليهم السلام وبالأخص مواليهم وأتباعهم لتجديد العهد، وعقد العزم، ومضاعفة الجهد للسعي بكل إمكانياتنا، وبكل السبل المشروعة بدء بالكلمة الرسالية والمسؤولة، ومروراً بالعمل الجاد والخالص، وختاماً بتشييد اللبن، وترصيع الذهب لبناء القباب الطاهرة لأئمة البقيع، وأن لا نتوانى عن تعظيم هذه الشعيرة والحرمة الإلهية، وأن لا نسمح للأمد الزماني أن يمتد ويكمل قرناً على تحويل القبب إلى أطلال، فلنكافح ونجاهد ونناضل ونقاوم من أجل البناء الشامخ قبل مضي قرن على الهدم الغاشم.
إن حجتنا للبناء تستند إلى البصيرة الواضحة، والدليل القاطع، والبرهان الساطع، من كتاب الله، ولذلك فهي دامغة، ومزاعم من يخالفنا أسست على جرف هار اختلقها الوضَّاعون من البشر ولذلك فهي داحضة، إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً}.
إن هذه الآية تبين بجلاء ووضوح لا لبس فيه العقيدة والنظرية والمنطق من قبور الصالحين، حيث كان النزاع بين فئتين:
الفئة الأولى:
عقيدتها الكفر، ونظريتها في القبور الطمس، ومنطقها الجهل، {فَقَالُوا} وهم الكفار {ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً} وهذه نظرية الطمس {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} وهذا منطق الجهل.
الفئة الثانية:
عقيدتها الإيمان، ونظريتها في القبور اتخاذها معابد لله، ومنطقها العلم بما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى، {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} وهم المؤمنون {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً} وهذه نظرية بناء القبور لعبادة الله.
وهذا المعنى هو الذي أجمعت عليه التفاسير وكلمات المفسرين، فلم يبقى بعد بيان الله وتأييده لنظرية المؤمنين في بناء قبور الصالحين واتخاذها مناسك ومعابد ومساجد من حجة لأحد علينا إلا أن يكفر بالقرآن عياناً، وهو المحجوج الذي يجب عليه أن يعود إلى رشده والعمل بكتاب الله بدل أن يجعله وراء ظهره، وإن أبى العمل بكتاب الله فليأخذ بقول ابن القيم حيث يقول في كتابه المسمى ب زاد المعاد في هَدْي خير العباد طبعة ألبابي الحلبي مِصر، مراجعة طه عبد الرؤوف طه عام 1390هـ 1970م:
“إن عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة، والغربة والتسليم، إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما، ومواطئ أقدامهما، مناسك لعبادة المؤمنين، ومتعبدات لهم إلى يوم القيامة، وهذه سنته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه”.
فإذا كانت هذه سنة الله فيمن يريد رفعه، بجعل آثاره مناسك ومتعبدات، فآثار رسول الله وأهل بيته أولى بالاستحقاق بجعلها مناسك ومتعبدات، وهذه العقيدة ببناء قبور أئمة البقيع هي جوهر العلم والتوحيد الخالص لأنها امتثال لكتاب الله وإرادته، ولكنه الحقد الأموي الجاهلي على الرسول وأهل بيته الذي تتوارثه القلوب المريضة فيعميها عن الحقيقة مع جلائها، وصدق الله سبحانه وتعالى حيث يقول: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
وإن أبى هذا الجاحد إلا العناد والمكابرة والجحود فليثبت لنا إيمانه وتوحيده وشجاعته وإقدامه بتحمل مسؤوليته لاقتلاع الشرك من بلاد المسلمين، بهدم قبر البخاري وابن تيمية وأحمد بن حنبل وبقية أئمة المذاهب والقائمة تطول في مصر وسوريا وفلسطين والعراق والأردن وإيران وتركيا، وقبر ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية، وقبر زايد آل انهيان حاكم الإمارات، وقبر صدام حاكم العراق، بل وقبر الرسول في المدينة الذي يقع الآن في غرفة مبنية، ويحرم البناء لأنه شرك كما يزعم هذا الجاحد، وعليه قبَّة، ويحرم بناء القبب على القبور لأنه شرك كما يزعم هذا الجاحد، والقبر في داخل المسجد، والمسجد يحيط به من الجهات الأربع، ويحرم جعل قبر النبي في المسجد لأنه شرك، ويستوجب لعنة الله على الأمة الإسلامية كما لُعنت اليهود والنصارى لاتخاذها قبور أنبيائهم مساجد كما يزعم هذا الجاحد بروايته السامرية الأموية الموضوعة، بل وقبر نبي الله إسماعيل وأمه هاجر في وسط المسجد الحرام وجوار البيت العتيق الكعبة المشرفة، وهذا هو الشرك الأكبر كما يزعم هذا الجاحد، ولكن الرسول هو الذي أبقاه لكي يُكَذِبَ كلَ أحاديثكم الأموية الموضوعة كذباَ وزوراً على لسانه، فهذه الدرايات تكذب مزاعم كل الروايات.
وكل هذه القبور والقبب موجودة في دول الإسلام، وبالتالي لا مبرر للسكوت عنها بحجة التقية، لأن التقية حجة ودليل الشيعة، وليست حجة ولم تشرع عند القائلين بحرمة بناء القبور إلا في مقابل الكفار فقط كما يزعم هذا الجاحد، ولأن أغلب قبور المسلمين مرتفعة شبراً عن الأرض كما هو مشاهد عياناً لا ينكره إلا مكابر يجحد وجود الشمس في رابعة النهار، ولأن هذا الارتفاع ولو شبراً مخالف للحديث السامري الأموي الموضوع كذباً وزوراً على لسان علي، “أن لا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته” فليبدأ هذا الجاحد – القائل بحرمة بناء القبور – بتسوية جميع قبور المسلمين بالأرض، لأن ارتفاعها عن الأرض ولو شبراً يخالف تسويتها بالأرض، وارتفاعها يناقض تسويتها فارتفاعها شرك كما يزعم هذا الجاحد، ولكنه هو وأشكاله وهم مجتمعون أجبن من أن يمسوا هذه القبور.
إن بناء قبور الأئمة هو جوهر العلم، وعمق التوحيد، وحقيقة العبودية لله، ولكن الجهلة السذج الذين أشربوا في قلوبهم حب عجل السامرية الأموية الخارجية أقل فهماً وأضعف عقلاً من أن يدركوا أو يستوعبوا هذا الجوهر من العلم، وكما يقول الإمام زين العابدين:
إني لأكتم من علمي جواهـره                      كي لا يرى العلـم ذو جهـل فيفتتنـا
يا رب جوهـر علـم لـو أبـوح بــه                      لقيـل لـي أنـت ممـن يعبـد الوثـنـــا
ولاستباح رجال مسلمون دمي                      يـــرون أقـبـح مــا يأتـونــه حـسـنـــا
وقد سبق في هذا أبو حســن                      وأوصى إلى الحسين وقبله الحسنا
=============================================================
==================================================

الأماكن المأثورة في المدينة المنورة


يقصد بالأماكن المأثورة، الأماكن التي جاء في فضلها نص قرآني، أو حديث نبوي، أو أثر، أو المواضع التي وطأها النبي صلى الله عليه وسلم، أو صلّى فيها، أو دعا بها. وقد تناول هذه الأماكن بالتحليل والتوصيف العديد من العلماء والمؤرخين والفقهاء، وجلّ المصادر التي كتبت عنها اتفقت على فضل المدينة وبركتها بقدوم المصطفى عليه السلام اليها، وبما نزل فيها من آيات وما صدر من أحاديث، ولما اشتملت عليه من أماكن مأثورة. وقد كان من ديدن السلف الصالح، تعظيم المدينة وآثارها، لأن محبة المدينة والسكنى بها، جاءت بها عشرات الأحاديث، فكانت دافعاً لهم للإقتداء والتأسي والتلمس لآثار النبي صلى الله عليه وسلم، دون المبالغة أو المغالاة في ذلك، وقد قسمت آثار المدينة الى سبعة أقسام:

القسم الأول: المسجد النبوي

المدينة المنورة عام 1907، حيث يظهر بعض من سورها والمسجد النبوي الشريف
المدينة المنورة عام 1907، حيث يظهر بعض من
سورها والمسجد النبوي الشريف
وما يحتويه من أماكن مباركة، كالروضة والمنبر، والحجرة النبوية الشريفة (القبر الشريف) والأسطوانات. وقد وردت أحاديث عديدةفي فضائل هذه الأماكن المباركة. أول الأماكن المأثورة هي المسجد النبوي الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، وشاركه الصحابة الكرام في وضع لبناته، فكان أول مسجد أسس على التقوى. وقد جاء في فضله العديد من الأحاديث الصحيحة، وكذلك في فضل الصلاة فيه. أما القبر الشريف (الحجرة النبوية الشريفة) فقد رغّب العلماء في زيارته، للتأسي والإعتبار بسيد الأبرار، والمعلوم أن زيارة القبور مشروعة، ولها أدعية مأثورة، وردت في الصحاح والسنن ليس هنا مجال بسطها، فما بالك بقبره صلى الله عليه وسلم. والمعلوم عند بعض العلماء أن البقعة التي دفن بها النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل بقاع الأرض.
ومن الأماكن المأثورة في المسجد النبوي:
الروضة والمنبر، وقد جاء في فضلهما عدة أحاديث منها: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي). ومنبر الرسول وردت فيه عدة أحاديث صحيحة، تحدثت عن صناعته وشكله ومراتبه أو عدد درجاته، كما وردت في البخاري ومسلم، فالأخير يذكر أن منبره كان ثلاث درجات، وقد اختلفت الروايات في عدد درجات المنبر، هل هي ثلاث أم اثنتان؟ لكن توجيه العلماء للحديث كان كفيلا بدرء التعارض، فقالوا: إن من ذكر انه درجتان، لم يعتبر المقعد، ومن ذكر أنه ثلاث درجات اعتبره. هذا وقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب متكئاً على جذع نخلة قبل صناعة المنبر، وأورد ابن تيمية عن تبرك الصحابة بمنبره، وذكر أن الإمام أحمد وغيره رخصوا في جواز التمسح بالمنبر ورمانته، والرمانة هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم وموضع يده، لكن المنبر والرمانة احترقا، فزال ما رخص فيه من جواز التمسح أو التبرك، كما يقول ابن تيمية.
أما الروضة الشريفة فإن مما يزيد في أهميتها كأثر مبارك وجود الأساطين (أي الأعمدة والسواري) التي كان يصلي بجوارها النبي صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته الكرام. فقد كان كبار الصحابة يصلون عند تلك السواري، وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: (لقد أدركت كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب). من تلك الإسطوانات:
1/ اسطوانة المخلّقة، أو أسطوانة المصحف، أو الأسطوانة المطيّبة، أو أسطوانة الجذع. وهي الإسطوانة التي تقع عن يمين
(1) أسطوانة السرير؛ (2) أسطوانة الحرس؛  (3) جدار المقصورة الغربي
(1) أسطوانة السرير(2) أسطوانة الحرس(3)جدار المقصورة الغربي
الواقف في المصلى الشريف من جهة القبلة، وذكر ابن حجر في (الفتح) أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها.
2/ اسطوانة القرعة، وتعرف بأسطوانة عائشة، رضي الله عنها. وتقع هذه الأسطوانة في الروضة الشريفة بين المنبر والقبر، وقد ذكر السمهودي عن صلاة السلف في هذا الموضع عدة روايات.
3/ أسطوانة التوبة، وتعرف بأسطوانة أبي لبابة رضي الله عنه، وقد سميت به، لأنه ارتبط اليها حتى أنزل الله في توبته.
4/ أسطوانة السرير، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع سريره وفراشه في أثناء معتكفه، وكان ذلك بين الأسطوان التي كانت تجاه القبر وبين القناديل، وقد ذكر ابن ماجة في (السنن) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف، طرح له فراشه وراء اسطوانة التوبة.
5/ أسطوانة الوفود، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس عندها لاستقبال الوفود من العرب، وكان يجلس بها سروات الصحابة.
6/ اسطوانة المِحْرس، أو أسطوانة أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي كان يحرس باب النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي عندها، فسميت بالمحرس.
7/ أسطوانة التهجّد، وتقع وراء بيت فاطمة من جهة الشمال.
القسم الثاني: المساجد والدور
من المساجد والدور والمواضع التي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة أو الدعاء أو الجلوس فيها:
مسجد قباء: فقد أوردت مصادر الحديث وغيرها العديد من الأحاديث عن فضل مسجد قبا، وكيفية بنائه. فهو أول مسجد أسسه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة عندما وصل اليها مهاجراً، وقد شارك صلى الله عليه وسلم في بنائه. وبقي المسلمون يصلون في مسجد قباء الى أن حولت القبلة، فأرادوا إعادة بناء المسجد، فجاء اليهم النبي صلى الله عليه وسلم وخط القبلة، وشاركهم في بنائه. وذكر بعض العلماء أن المقصود بالآية: (لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى…) هو مسجد قباء، وهو محلّ خلاف.
مسجد الجمعة: ويقال مسجد الوادي، ومسجد عاتكة. وفي هذا الموضع كانت أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم
 المحراب النبوي ويقع في الروضة الشريفة أنشأه عمر بن عبدالعزيز ثم جدده الأشرف قايتباي عام 888هـ 1483م
المحراب النبوي ويقع في الروضة الشريفة أنشأه عمر بن عبدالعزيز ثم جدده الأشرف قايتباي عام 888هـ 1483م
في المدينة.
مسجد الفضيخ: عُرف أيضاً بمسجد الشمس، كما يقال له مسجد بني النضير. روي أنه لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير، ضرب قبته قريباً من موضع مسجد الفضيخ، وكان يصلي فيه ست ليال، فلما حرمت الخمر، خرج الخبر الى أبي أيوب ونفر من الأنصار وهم يشربون فيه فضيخاً، فحلّوا وكاء السقاء فهراقوه فيه، وبذلك سمي مسجد الفضيخ.
مسجد بني قريظة: عرف بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في هذا الموقع أثناء محاصرته لبني قريظة.
مسجد مشربة أم إبراهيم: ومشربة أم ابراهيم من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتخذ النبي هذا الموضع سكناً للسيدة مارية القبطية أم إبراهيم، لذا ارتبط اسم الموضع بها.
مسجد بني ظفر: يقال له مسجد البغلة، وهو بطرف الحرّة الشرقية في شرقي البقيع.
مسجد الإجابة: هو مسجد بني معاوية بن مالك بن عوف من الأوس، وهو في شمالي البقيع على يسار السالك الى العريض.
مسجد الفتح: والمساجد التي حوله، وتعرف كلها بمساجد الفتح، ومسجد الفتح هو الأول المرتفع على قطعة من جبل سلع في المغرب، غربيه وادي بطحان، ويقال له أيضاً مسجد الأحزاب والمسجد الأعلى، وقد صلى فيه الرسول كما في المساجد التي حوله، شأن المساجد المذكورة سالفاً.
مسجد القبلتين: يقال له مسجد بني سلمة، غربي جبل سلع، وفيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء صلاته فيه بالتحول من توجهه الى بيت المقدس الى الكعبة في المسجد الحرام في مكة. وتفيد الروايات بأن الرسول صلى من الظهر ركعتين باتجاه بيت المقدس وركعتين أخريين باتجاه الكعبة في البيت الحرام بمكة. وبذا سمي مسجد القبلتين.
مسجد السقيا: روي عن ابي هريرة قوله: عرض النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالسقيا التي بالحرّة متوجها الى بدر
صورة قديمة للروضة الشريفة
صورة قديمة للروضة الشريفة
وصلّى بها. وفي رواية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بحرة السقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بوضوء، فتوضأ ثم قام فاستقبل القبلة فقال: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعا لأهل مكة بالبركة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثلَي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين.
مسجد ذُباب: ويعرف بمسجد الراية، ويقال له مسجد قرين، ويقع على جبل ذُباب، شمال غرب المسجد النبوي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب قبته على جبل ذباب في معركة الخندق وصلى في ذلك الموضع.
مسجد أحد: ويعرف أيضاً بمسجد الفسح، وهو المسجد اللاصق بجبل أحد، على يمين الذاهب الى الشعب الذي فيه المهراس. وقد أفاد المؤرخون وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر في موضع هذا المسجد بعد انقضاء القتال يوم أحد.
مسجد في ركن جبل عينين الشرقي: على قطعة منه، وهذا الجبل هو الذي كان عليه الرماة يوم أحد، وهو في قبلة مشهد سيدنا حمزة رضي الله عنه.
مسجد العسكر: ويعرف أيضاً بمسجد الوادي، شمال مسجد عينين السابق، وقد روي أن مصرع حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه كان في ذلك الموضع، فلما وقف عليه النبي ترحم عليه، وصلى عليه.
مسجد السجدة: كان على يمين طريق السالك الى أحد من طريق الأسواف، عند نخيل معروفة بالبحير. وللمسجد أسماء منها: مسجد أبي ذر، ومسجد الشكر، ومسجد البحيري، ومسجد الأسواف، ومسجد السافلة. وهو مسجد صلى فيه رسول الله.
مسجد البقيع: كان على يمين الخارج من درب البقيع، غربي مشهد عقيل بن أبي طالب وأمهات المؤمنين، ويعرف بمسجد أبي
ضواحي المدينة المنورة يرى بينها قبة ثنية الوداع (1907م)
ضواحي المدينة المنورة يرى بينها قبة ثنية الوداع (1907م)
بن كعب رضي الله عنه، ويقال له مسجد بني حديلة. كان النبي يختلف اليه فيصلي فيه غير مرة.
مسجد المصلّى: وهو من المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم الأعياد. ويعرف بمسجد الغمامة، الواقع في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد النبوي. وهناك مسجدان آخران صلّى النبي فيهما العيد هما: مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويقع شمال غرب مسجد المصلّى؛ ومسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، شمال مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
مسجد الشجرة: ويعرف بمسجد ذي الحليفة أيضاً، والحليفة: الميقات المدني، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه إذا خرج الى مكة.
مسجد بني حرام: من بني سلمة من الخزرج. ومنازلهم تقع بالقاع في غربي مساجد الفتح ووادي بُطحان عند جبل بني عبيد.
مسجد الخربة: لبني عبيد من بني سلمة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه مراراً.
مسجد جهينة وبلي: روى ابن شبّة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد جهينة، وروى ابن زبالة عن هشام بن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّ المسجد الذي لجهينة ولمن هاجر من بلي، ولم يصلّ فيه. ويقع المسجد غربي حصن صاحب المدينة، والسور القديم بينها وبين جبل سلع.
مسجد عند بيوت المطرفي: تفيد الروايات أن النبي صلى في المسجد الذي عند بيوت المطرفي عند خيام بني غفار، وتلك الناحية كانت في غربي سوق المدينة.
مسجد بني زُريق: روي أنه أول مسجد قرئ فيه القرآن، وأن رافع بن مالك الزرقي لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة أعطاه ما أنزل عليه في العشر سنين التي خلت، فقدم به رافع المدينة ثم جمع قومه فقرأه عليهم في موضع المسجد. وروي أن الرسول توضأ فيه وعجب من قبلته، ولم يصل فيه.
مسجدا بني ساعدة: من الخزرج، حيث صلى صلى الله عليه وسلم فيه، وهو يقع شرقي سوق المدينة وفي بئر بُضاعة، كما صلى في آخر لبني ساعدة يقع خارج بيوت المدينة، كان في شامي جبل ذباب الذي عليه مسجد الراية.
مسجد بني خدارة: وهم إخوة بني خدرة من الخزرج، وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلّى وحلق رأسه فيه.
مسجد راتج: صلى فيه النبي، وشرب من بئر جاسوم كانت هناك، وهو يقع شرق جبل ذباب جانحاً الى جهة الشام.
مسجد بني عبد الأشهل: ويقال له مسجد واقم، وأخرج الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى فيه. وتقع منازل عبدالأشهل في الحرة الشرقية.
مسجد القَرَصَة: والقرصة ضيعة لسعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان عليه السلام يأتي دور الأنصار فيصلي في مساجدهم، وكان هذا واحداً منها.
مسجد بني حارثة: وهم من الأوس، كانت منازلهم في سند الحرة، ويعرف المسجد أيضاً بالمُستراح، وقد صلى فيه النبي عليه السلام.
مسجد الشيخين: ويقال له مسجد البدائع، ومسجد العدوة، وقد صلى عليه الصلاة والسلام في المسجد وبات فيه، وصلى فيه الصبح يوم أحد ثم غدا منه الى أحد.
مسجد بني دينار بن النجار: من الخزرج، ويقال له مسجد الغسالين، وقد صلى فيه النبي حين كان يعود أبا بكر الصديق رضي الله عنه.
مسجد بني عدي بن النجار، ومسجد دار النابغة: في بني عدي ايضاً. تقول الروايات ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في دار النابغة، واغتسل في مسجد بني عدي. ومنازل بني عدي غربي المسجد النبوي.
مسجد بني مازن بن النجار: وهو مسجد خطّه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يصلّ فيه.
مسجد بني عمرو بن مبذول بن مالك بن النجار: وكانت منازلهم عند بقيع الزبير، وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجدهم.
مسجد بقيع الزبير: وقد صلى النبي عليه السلام الضحى فيه عدّة ركعات.
مسجد صدقة الزبير في بني محمم: ويقع غربي مشربة أم إبراهيم، في موقع يقال له الجزع المعروف بالزبيريات، وقد صلى الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم فيه.
مسجد بني خدرة: من الخزرج، ويقع مقابل بيت الحية، وهو مسجد صغير.
مسجد بني الحارث بن الخزرج ومسجد السنح: وروى ابن شبّة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى في مسجد بني الحارث بن الخزرج ومسجد السنح. ومنازل بني الحارث تقع شرقي بُطحان وتربة صعيب.
مسجد بني الحبلى: ومنازلهم بين قباء وبين دار بني الحارث التي في شرقي بطحان، وهم رهط عبدالله بن أبي بن سلول. وقد صلى النبي عليه السلام في مسجدهم.
مسجد بني خطمة ومسجد العجوز: وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى فيهما.
مسجد بني أمية بن زيد: وهم من الأنصار، وكان مسجدهم في موضع الكِبا بين الخربتين اللتين عند مال نهيك، وقد صلى الرسول في مسجدهم هذا.
ومن المساجد التي صلى فيها الرسول في المدينة: مسجد بني وائل، وهم من الأوس؛ ومسجد بني واقف، من الأوس أيضاً؛ ومسجد بني أُنيف، وهم حي من بلي، زارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يعود طلحة بن البراء، فتعاهدوا المكان وأقاموا فيه مسجداً؛ ومسجد دار سعد بن خثيمة، ويقع في قباء؛ ومسجد التوبة، بالعصبة، حيث منازل بني جحجبا من بني عمرو ابن عوف من الأوس؛ ومن بين المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسجد النور؛ ومسجد عتبان بن مالك، ويقع بأصل أُطمه المسمى بالمزدلف بدار بني سالم بن الخزرج؛ ومسجد ميثب، صدقة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومسجد المنارتين، في طريق العقيق الأكبر؛ ومسجد فيفاء الخَبَار؛ ومسجد بين الجثجاثة وبئر شداد بطرف وادي العقيق.
وهناك دور ومواضع ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها، أو جلس فيها، ولم تتخذ مساجد ومنها: مربد الحكم بن أبي العاص؛ دار الشفاء وقد صلى فيها النبي عليه السلام؛ ودار عمرو بن أمية الضمري؛ ودار بُسرة بنت صفوان حيث صلّى الرسول بها؛ ودار يعلى؛ ودار أم سليم؛ ودار أم حرام بنت ملحان زوجة الصحابي عبادة بن الصامت، رضي الله عنه.

القسم الثالث: الآبار

هناك العديد من الآبار التي ارتبط ذكرها بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتي وقف عليها المؤرخون بالتفصيل والتوصيف، كالفيروزآبادي في (المغانم) والسمهودي في (الوفا). من تلك الآبار:
بئر أريس (بئر الخاتم): حيث تفيد الروايات بأن النبي عليه السلام قد دخلها وتوضّأ منها وكشف ساقيه ودلاّهما في البئر.
بئر الخاتم المعروف ببئر أريس
بئر الخاتم المعروف ببئر أريس
بئر الأسواف: وقد جلس عليها صلى الله عليه وسلم، وأدلى رجليه فيها.
بئر أُنا: وقيل أنّا، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبته عليها حين حاصر بني قريظة، وصلى في المسجد الذي هناك، وشرب من البئر، وربط دابّته بالسدرة التي في أرض مريم بنت عثمان.
بئر أنس بن مالك بن النضر: فقد استسقاه رسول الله، فسقاه ماءً صبّ عليه اللبن. وقيل أن ماءها عذب، وكانت تسمّى في الجاهلية (البرود).
بئر إهاب: يقال أن رسول الله أتاها بالحرّة، وهي يومئذ لسعد بن عثمان.
بئر البُصّة: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي الشهداء وأبناءهم ويتعاهد عيالاتهم؛ فجاء يوماً أبا سعيد الخدري، فقال: هل عندك من سدر أغسل به رأسي؛ فإن اليوم الجمعة؟ قال: نعم، قال: فأخرج له سدراً وخرج معه الى البُصّة، فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وصب غسالة رأسه ومراقة شعره في البصّة.
بئر بُضاعة: وهي لأبي أسيد الساعدي، قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق فيها، فهي يُتبشّر بها ويُتيمّن بها.
بئر جاسوم: فقد صلّى عليه السلام في مسجد راتج، وشرب من جاسوم.
بئر جمل: وهو من الآبار التي توضأ منها النبي صلى الله عليه وسلم.
بئر حاء: وكانت لأبي طلحة، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب.
بئر حلوة: قيل أن الرسول هجر نساءه، وكان يقيل تحت أراكة على حلوة، وهي بئر كانت في الزقاق الذي فيه دار آمنة بنت سعد، وبه سمي الزقاق (زقاق حلوة) ويبيت في مشربة له.
بئر ذرع: وهو بئر بني خطمة توضّأ فيها.
بئر رومة: وقد روي حديث عنها يقول: (نعم الحفيرة حفيرة المزني).
بئر السقيا: روي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقى له الماء العذب من بئر السقيا.
بئر أبي عنبة: قيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، ضرب عسكره على مائها، وهي على ميل من المدينة.
بئر غُرس: ويقال بئر الأغرس، روي قول لأنس: (ائتوني بماء من بئر غرس، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري، بئر غرس).
وهناك بئر القراصة، وبئر القريصة، الذي توضأ منه رسول الله، ويسمى بئر حارثة، ويقال أنه صلى الله عليه وسلم شرب منها وفيها سقط خاتمه.
بئر اليسيرة: روي أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى بني أمية بن زيد فوقف على بئر لهم، فقال: ما اسمها؟ قالوا عسيرة، قال: لا، ولكن اليسيرة، قال: وبصق فيها وبرّك فيها.

القسم الرابع: مقبرة البقيع

قبة الصحابي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
قبة الصحابي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
 تعد مقبرة البقيع أول مقبرة اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بعد هجرته الى المدينة المنورة، وقد وردت عدة روايات تبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها، فكان قد طلب نواحي المدينة وأطرافها، ثم قال: أُمرت بهذا الموضع ـ يعني البقيع. وكان يقال بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد. كان أول من قبر هناك من المهاجرين عثمان بن مظعون رضي الله عنه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً عند رأسه وقال: هذا قبر فرطنا، وكان إذا مات المهاجر بعده، قيل: يا رسول الله، أين ندفنه؟ فيقول: عند فرطنا عثمان بن مظعون. وفي رواية عن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد دفن عثمان بن مظعون أخذ حجراً ووضعه عند رأسه، وقال: أتعلّم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي.
وورد في فضائل مقبرة البقيع العديد من الأحاديث، جمعها كل من ابن شبة، والفيروزآبادي، والسمهودي. ومن فضائل البقيع التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
* دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته على أهل البقيع، فقد ورد عن السيدة عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول
قبة العباس بن عبدالمطلب عم النبي في البقيع وتضم قبور بعض أهل البيت (1907)
قبة العباس بن عبدالمطلب عم النبي في البقيع وتضم قبور بعض أهل البيت (1907)
الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل الى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً، مؤجلون. وإنا، إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد.
* إن أهل هذه المقبرة هم أول من يحشر من مقابر الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد روى الترمذي من طريق ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة فأحشر بين الحرمين.
وأفرد السمهودي فصلاً في ذكر من دفن بالبقيع من الصحابة وأهل البيت. وقال الفيروزآبادي: لا شك أن مقبرة البقيع محشوّة بالجماء الغفير من سادات الأمة، غير أن اجتناب السلف الصالح المبالغة في تعظيم القبور وتجصيصها، أفضى الى انطماس آثار أكثرهم، فلذلك لا يعرف قبر معيّن منهم إلا أفراداً معدودة.
القسم الخامس: فضل (أُحُد)
يعتبر جبل أحد، الواقع في الجهة الشمالية للمسجد النبوي الشريف، من أهم الأماكن المأثورة في المدينة المنورة، نظراً لاتباطه بأحداث مهمة في التاريخ الإسلامي، ولتردد النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حين لآخر.
عن جبل أحد وفضله، روى البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة، قال: (هذه طابة، وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحداً جبل يحبنا ونحبه، وهو على ترعة من ترع الجنة، وعير على ترعة من ترع النار).
جبل أحد
جبل أحد
ويقع بجوار أحد جبل عينين، ويعرف أيضاً بجبل الرماة، وهو جبل صغير جنوب جبل أحد، وقد اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم موضعاً لرماة المسلمين يوم أحد.
اشتهر جبل أحد بوجود قبور شهداء معركة أحد. فبعد انقضاء غزوة أحد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء في المكان الذي شهدته أحداث المعركة في سفح جبل أحد. وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد، وكان يتعهدهم بالزيارة ويأمر بزيارتهم، وقد وردت روايات عديدة في فضل زيارتهم، ومتابعة الصحابة لما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة قبر حمزة رضي الله عنه وباقي الشهداء من الصحابة.
وروى أبو داوود في سننه حديث: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي الى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نُرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل: (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون). كما أورد السمهودي عدة روايات في زيارة الصحابة والسلف الصالح لمقابر شهداء أحد.
ويضم جبل أحد شعب أحد، وهو الشعب الذي انحاز إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين بعد التحول الذي شهدته غزوة أحد لصالح المشركين، بعد أن كانت في بادئ الأمر تسير لصالح المسلمين. ومنطقة جبل أحد اشتهرت بمساجد صلّى فيها النبي صلى الله عليه وسلم سبقت الإشارة اليها.

القسم السادس: أودية المدينة

منها: وادي العقيق: جاء في (الصحيح) عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العقيق: أتاني الليلة آت، فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجّة.
وهناك وادي بُطحان: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بُطحان على بركة من برك الجنّة.

القسم السابع: مواضع متفرقة

وهي مواضع اتصل خبرها بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن بينها:
أحجار الزيت: موضع بالمدينة، قرب الزوراء، استسقى عنده النبي صلى الله عليه وسلم. جاء في الحديث عن عمير مولى بني أبي اللحم، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه.
أحجار المراء: وهو المكان الذي التقى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بجبريل عليه السلام وهي قباء.
==============================================================
===============================

لا يمكن أن تكون الوهابية ممثلاً ـ فضلاً عن (الممثل) ـ صادقاً للإسلام ولتراث المسلمين في الحجاز.. دعك من حقيقة أن من يكفّر المسلم الآخر لا يمكن أن يكون ممثلاً له، بل هو قاصٍ مجحف بحقّه، فما بالك إذا ما أعلن عليه الحرب قولاً وفعلاً، واستباح دمه وماله وعرضه؟ ما فعله الوهابيون بتراث المسلمين وآثار الإسلام في الديار المقدّسة من تدمير وإزالة يصعب حصره، وكأن هناك مخططاً من أعداء هذه الإمّة لإزالة كل مواقع العزّة والرفعة التي تجعل من تاريخ المسلمين حيّاً في قلوب وعقول الأجيال المعاصرة.
أول ما فعله هؤلاء هو تدمير آلاف من قبور الصحابة من المهاجرين والأنصار (تصل الى عشرة آلاف) وغيرهم من آل البيت والتابعين والشهداء في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، وإزالة القبب، حتى أنه لا يمكن التعرّف اليوم إلا على بضعة قبور منها، وجاء ذلك بناء على فتوى الشيخ عبد الله بن بلهيد وبإدّعاء عبادة المسلمين لهذه القبور من دون الله. وفعلوا نفس الشيء في مقبرة المعلّى بمكة المكرمة، فدمّر قبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وقبر أبي طالب، وقبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها.
ترافق مع احتلال المدينة المنورة من قبل آل سعود.. تهجير لسكانها بحيث لم يبق من بين 70-80 ألفاً سوى ستة آلاف، بعد خمسة عشر شهراً من الحصار السعودي لها، وقد وصفت المدينة فور سقوطها بأن ”الشوارع والأزقّة فارغة والبيوت مهدّمة، وملامح الإعياء بادية ظاهرة وكأن الزلزال أصابها”. ووصف أحدهم البقيع فور تدميره أواخر 1925، وبداية 1926م: ”حين دخلتُ إليه وجدتُ منظره منظر بلدة قد خربت عن آخرها. لم يكن في أنحاء المقبرة كلها ما يمكن أن يشاهد سوى أحجار مبعثرة وأكوام صغيرة من التراب لا حدود لها، وقطع من الخشب.. كان ذلك أشبه بالبقايا المبعثرة لبلدة أصابها الزلزال فخربها كلها.. كان كل شيء عبارة عن طرق وعرة تتخللها مواد الأبنية المهدمة وشواهد القبور المبعثرة. لم يحدث هذا بفعل الزمن وعوارض الطبيعة، بل صنعته يد الإنسان عن عمد وتقصد”.
وفي المدينة المنورة أيضاً، تم تدمير قبر الحمزة سيد الشهداء، والمسجد المشاد عليه، كما تمّ تدمير قبور شهداء أحد، كما تعرضت قبة المسجد النبوي الشريف للقصف المدفعي. أما في مكة المكرمة، فكتب وفد جمعية الخلافة الهندي الذي كان حاضراً فيها يقول: ”دمرت في مكة مقبرة المعلّى، والبيت الذي ولد فيه الرسول”. وفي مايو 1926 قابل وفد من مسلمي الهند بمجرد وصوله جدة ممثل مشايخ الوهابية عبد العزيز العتيقي ”فأكد الأخبار التي سمعناها وقال بأنهم اعتبروا القبب وغيرها بدعة وكفراً، وأنهم في هذا الأمر لا يهتمون بالرأي العام الإسلامي، أو أن المسلمين يعجبهم ذلك أم لا؟”. وأبرق الوفد لممثلي المسلمين في الهند: ”إننا نشعر بالحزن لإبلاغكم بأن مثل مكة المعظمة ومساجد المدينة المنورة لم تحفظ حرمتها، وأن مثل قبب المساجد قد أُزيلت نهائياً: مثل مسجد فاطمة، ومسجد الثنايا، ومسجد المنارتين، ومسجد المائدة ومسجد الإجابة”. وأزال الوهابيون بجهلهم موضع ولادة الرسول، وهدموا منزل السيدة خديجة ومنزل أبي بكر رضي الله عنهما.
إن مصيبة المسلمين لم تكن فقط بهدم القباب والقبور، بل كل الآثار الإسلامية الأخرى، كمنازل الصحابة وبني هاشم، فإذا كان عذر الوهابيين أن القبور تُعبد من دون الله، فهل هدم بيت رسول الله في المدينة ومنزل الزهراء، وخديجة، ومنزل الحمزة، وسقيفة بني ساعدة، ودار الأرقم بن أبي الأرقم، ومكان العريش التاريخي في بدر.. هل هدم مثل هذه الأماكن يمكن تبريرها بمثل ما برر الوهابيون؟ قال فيلبي مستشار إبن سعود وصديقه والذي ادّعى الإسلام وحجّ سنة 1931 بأن ما قام به الوهابيون من تدمير للأماكن الأثرية ”سيجعل الأجيال القادمة تنسى الوقائع التاريخية المرتبطة بها”.
إن ممارسات الوهابيين بدعم من آل سعود بالغة الإيذاء وشملت كل شيء تقريباً. فإضافة الى فرض تدريس مذهبهم في الحرمين الشريفين، ومن ثمّ منع الآخرين من أتباع المذاهب الإسلامية من إلغاء حلقات دروسهم.. استمرت الضغوط على الحجاج وسكان الحرم لترويضهم ولقبول المذهب الرسمي، عبر الإيذاء والتحرّش والإستخفاف بالمشاعر والمعتقدات والإعتداء بالجلد والضرب والشتم لكل من يخالفهم من رواد الديار المقدسة من داخل البلاد وخارجها، وهو أول ما يلحظه المعتمرون والحجاج حتى اليوم.. الأمر الذي اضطرّ طلبة العلم الشرعي وعلماء الحجاز الى الفرار خارج الحجاز أو الإنزواء في بيوتهم، بعد أن مُنعوا قسراً من التدريس في الحرم، وقليل منهم ـ وعلى وجل ـ فتح باب منزله لإلقاء دروسه فيه.
وكان الوهابيون قد صادروا المدارس المالكية والشافعية والحنفية وغيروا مناهجها، واستولوا على أموال الأوقاف المخصصة لها، بأوامر الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ، الذي ضيّق بوجه خاص على المدارس الحنفية في المدينة المنورة (المدرسة النظامية) التي رفضت تدريس كتاب التوحيد المعتمد الأصل للفكر الوهابي فكان سبباً في إغلاقها في أغسطس 1931.
زد على ذلك، الحقد الغريب على كل ما يمتّ للتراث الإسلامي حتى شمل الشجر وآبار المياه. فقد قطعوا جميع الأشجار التي في المسجد النبوي، وطمروا بئر الماء الموجودة فيه عام 1927م.. والأكثر فظاعة ما جرى للمكتبات الإسلامية العامة في الحجاز خاصة في مكة المكرمة، إذ بمجرد أن احتلّ السعوديون المدينتين المقدستين اختفت مجموعات ثمينة من الكتب والمخطوطات ولم يعرف لها أثر.
قيل ان المكتبة الوحيدة التي سلمت هي مكتبة السلطان محمود الكائنة بجوار باب السلام، ولكن تبين فيما بعد أن الوهابيين أغلقوها، أما مكتبة بشير آغا الشهيرة، ومكتبات الشفاء والسلطان عبد الحميد وعمر أفندي فلم يعد لها وجود في المدينة المنورة، وقد نُهبت معظم كتبها، وأحرق الوهابيون الكتب والمخطوطات التي لم تعجبهم منها، وباعوا قسماً آخر نظير المال. أما مكتبة عارف حكمت، فكانت آخر المكتبات العامة التي أغلقت وصودرت كتبها، وهناك من يقول بأنها خسرت هي الأخرى نحو عشرين ألف مخطوطة صادرها المشايخ الوهابيون وأتلفوها حرقاً!
كل هذا كان يجري والعالم الإسلامي لم يكن صامتاً، ولكن الوهابيين وآل سعود المدعومين من الإنجليز أولاً ومن الأميركيين تالياً، لا يعيرون بالاً فيما يعتقدونه واجبٌ ديني. الغريب أن آثار خيبر (اليهودية في جملتها) هي التي تقف اليوم شاهدة على تسامح الوهابيين! فلماذا؟ في حين أنهم يريدون تدمير القبة التي على قبر النبي، وإخراج قبره عليه الصلاة والسلام من مسجده، وهو ما يعتزم الوهابيون فعله في اللحظة التي تتيحها الظروف لهم بحيث لا تكون هناك ردّة فعل غير متوقّعة يكون ضررها على الوهابية وآل سعود أكبر من المنافع المذهبية الضيّقة التي يرونها.
عن مجلة الحجاز
==================================================================
===================================


محو الآثار الاسلامية في السعودية بين السياسة والدين


قبل بضع سنوات ألقى الدكتور أحمد زكي يماني، وزير النفط السعودي السابق، محاضرة بكلية الدراسات الشرقية والافريقية التابعة لجامعة لندن حول مشروع قام به للتنقيب عن منزل النبي محمد وخديجة عليهما السلام في مكة. كانت المحاضرة قيمة جدا، حيث اشتملت، بالاضافة للنبذة التاريخية عن تاريخ المنزل، علي صور فريدة من نوعها للموقع الذي تم تنقيبه، واظهرت غرفه بوضوح ومنها محراب الرسول وغرفة ولادة السيدة الزهراء. يقول الدكتور يماني بانه جاء بأكثر من 300 عامل ومعهم كل ما يحتاجونه من معدات، الى الموقع، بالاضافة الى مهندسين وأخصائيين في التنقيب عن الآثار، وقام الفريق بعمل نادر على مدار 24 ساعة. استطاع خلالها كشف المنزل الذي لم يبق منه سوى ارتفاع متر من حيطانه، وبعد ان صوروه بشكل مفصل، قاموا بردمه بالرمل مباشرة وغادروا الموقع. وعندما سئل عن سبب ردمه بالرمل بعد هذا العمل الشاق، اجاب: لدينا في السعودية تيار يعتبر الاهتمام بهذه المواقع والآثار ضربا من الشرك. شخص اردني وقف وقال: كيف تبرر صرف هذا المبلغ الكبير على اكتشاف بيت قديم، ما الفائدة من ذلك؟ فرد الدكتور يماني: شكرا لك، لقد سهلت مهمتي في ايضاح الصورة للحاضرين. هذا نمط من التفكير الذي يحمله ذلك التيار. لقد كان الحاضرون مشدودين الى صور منزل النبي عليه افضل الصلاة والسلام، فهي تحكي تاريخا مجيدا، وقصة مثيرة لنشوء دين الاسلام، ولو كانت لدي غير المسلمين لحظيت باهتمام كبير، واستقطبت الزوار والسياح من كل مكان.
في الفترة الاخيرة بدأ النقاش في المملكة العربية السعودية، خصوصا في اقليم الحجاز، حول هذه القضية يأخذ ابعادا جديدة، وطرحت تساؤلات مثيرة، خصوصا بعد ان بدأت تلك الاعمال تصل الى مناطق اخرى غير السعودية. فهل ان ذلك جزء من حرب دينية ام سياسية؟ وما دور السياسيين في تشجيع الظاهرة؟ وهل هي صراع على المصالح ام ناجمة عن جهل وتعصب؟ لقد كان تدمير تمثال بوذا في مدينة باميان الافغانية في 2002 قد سلط الاضواء على هذه الظاهرة التي تهدف للقضاء على كل ما يعتبره التيار السلفي وسيلة من وسائل الشرك. وقبل بضعة اسابيع قام بضعة أشخاص بتدمير قبر هاشم بن عبد مناف، جد الرسول الاكرم (ص) بمدينة غزة الفلسطينية. واتهم مدير دائرة التوثيق في وزارة الاوقاف الفلسطينية عبد اللطيف ابو هاشم جهات سلفية وهابية تتحرك بايعاز من بلاد اخرى بالوقوف وراء هذه الجريمة، موضحا ان هذه الجماعات اقدمت على هذا الفعل اعتقادا منها ان من يهدم المقامات والمزارات والمعالم الاسلامية يؤجر عند رب العالمين . ويعتبر القبر واحدا من اهم المعالم الاسلامية في فلسطين المحتلة.
مرتكبو هذه الافعال يستندون الى مقولة تنسب للشيخين محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية تعتبر زيارة القبور من البدع، ومظهرا من مظاهر الشرك. لا شك ان هناك ارضية تتخذ طابعا دينيا لهذه العقلية، لكن هذه الارضية حديثة العهد. فما بين عهد الرسول عليه افضل الصلاة والسلام، وعهد ابن تيمية المتوفّى عام (708 هـ – 1308م) وتلميذه ابن القيم المتوفّى سنة (751 هـ ـ 1350م)، سبعة قرون ونصف مضت على المسلمين وهم لا يعرفون في أُمورهم الشرعية مسألة تثير التشنج والخصومة بينهم باسم مسألة البناء على القبور، حتّى أفتي ابن تيمية بعدم جواز البناء على القبور، وكتب يقول: اتفق أئمة الإسلام على أنّه لا يشرع بناء هذه المشاهد التي على القبور، ولا يشرع اتّخاذها مساجد، ولا تشرع الصلاة عندها . ثمّ جاء بعده ابن القيّم الجوزية الذي قال: يجب هدم المشاهد التي بُنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً . وجاء بعدهما الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتوفّى سنة (1206 هـ ـ 1791 م) فحوّل التشدّد والخشونة إلى مذهب فقهي يعتمد على التكفير والاتهام بالشرك والتهديد بهدر الدم وسبي الذراري لكل من ارتكب سبباً من أسباب التكفير عنده، وما أكثرها! بل ولكل من خالفه في تكفير المتهمين بالكفر عنده. هذه الظاهرة التكفيرية تمثل ارضية صلبة للقوى التي تسير على ذلك النهج، والتي تستحل دماء المسلمين الآخرين الذين يختلفون مع هذا النهج. وعلى مدى المائتي عام الاخيرة قام المحسوبون على هذا التيار بهدم عدد كبير من الآثار والقبور الاسلامية في أكثر من بلد، الامر الذي أثار ضجة كبيرة في اوساط المسلمين لعدد من الاسباب. اولها ان محو الآثار الاسلامية يعني القضاء على تراث معماري وفني وثقافي لا يمكن تعويضه بشيء. وثانيها: ان الاعتداء على ما يعتبره الآخرون أمورا مقدسة يؤدي الى اثارة التوتر المذهبي والديني، وقد ينجم عن ذلك سفك الدم. وثالثها: انه يسلب عن الاسلام السمة التي لازمته منذ بدايته، والتي يسعى الجميع للترويج لها، وهي انه دين متسامح، يحترم عقائد الآخرين، ويمنع الاعتداء على مقدساتهم واماكن عبادتهم، لان في ذلك تهديدا للسلم الاجتماعي والعلاقات الانسانية. ورابعها: ان استهداف مقابر الشخصيات الاسلامية التاريخية ينطوي على اهانة لقدرهم، واستخفافا بقيمتهم، وهو ما لا يتنافى مع التعليمات الدينية.
ان ظاهرة هدم القبور والآثار الاسلامية ليست جديدة. فقد أمر المتوكل العباسي في العام 236 هـ بهدم قبر الامام الحسين، وحرث الارض التي كان عليها، ثم اجري الماء فيها. لم تكن تلك العملية ذات طابع ديني، بل كانت بدوافع سياسية تتصل بالعلاقة المتوترة بين العلويين والعباسيين، والخشية من تحول المساجد التي تقام حول قبور بعض الاولياء والصالحين الى بؤر للمعارضة السياسية تارة، والتحدي الديني تارة اخري. وفي القرون الاولى بعد الاسلام لم تكن هناك رؤية دينية معادية للآثار الاسلامية او الانسانية، وحتى اذا حدث اعتداء على قبر او مسجد، فانما يتم ذلك في اجواء احتقان سياسي وتوتر في العلاقات بين الدولة والرمزية الدينية. ولكن الامر تغير في القرون الاخيرة، خصوصا بعد حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر التي أسست للطرح السلفي الذي ازداد انتشارا في السنوات الاخيرة. فعلى مدى المئتي عاما الماضية سعى اتباع الدعوة الوهابية لتطبيق تعليمات مؤسسها حرفيا. وحيث انه اعتبر التوسل بالاولياء والصالحين او زيارة قبورهم من الشرك، فقد تصاعدت الاعتداءات على المساجد التي تقام حول قبور بعض الصالحين، الامر الذي يلقي بآثارة السلبية على العلاقات بين اتباع المذاهب الاسلامية المختلفة. واصبحت الجزيرة العربية مسرحا لهذا الصراع الديني الذي اتخذ ابعادا سياسية واسعة. ويمكن القول بان ما يقرب من 90 بالمائة من الآثار الاسلامية في المملكة قد تم تدميره من قبل المؤسسة الدينية القائمة على تعليمات الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وتزداد نزعة الوهابيين بشكل مضطرد لتدمير المساجد والمكتبات والمقابر خصوصا التي تتوفر على قدر من الرمزية لشيء مخالف للعقيدة الوهابية.
في العام 1924 احتل عبد العزيز بن سعود وقواته مدينة مكة المكرمة، وكان اول اعمالهم ازالة اثار مقبرة (المعلى) التي تضم قبر السيدة خديجة زوجة الرسول وقبر عمه، أبي طالب. وبعد عامين (1926) احتل بن سعود المدينة المنورة، وقام هو واتباعه بهدم آثار مقبرة البقيع التي تضم قبور عدد من أهل بيت رسول الله ومنهم ابنته فاطمة الزهراء وحفيده الحسن بن علي والكثير من الصحابة. كما هدموا المساجد السبعة في المدينة: مسجد الفتح (او الاحزاب) ومسجد سلمان الفارسي ومسجد أبي بكر ومسجد عمر ومسجد فاطمة ومسجد علي ومسجد القبلتين، وحولوا بعضها الي صرافات الكترونية. وقد انتقد عدد من الكتاب السعوديين هذا العمل، فكتب محمد الدبيسي مقالا في صحيفة المدينة بتاريخ 10 ايلول/ سبتمبر 2004 بعنوان: بإزالة هذه المساجد تفقد المدينة المنورة معلماً من معالم تاريخها الخالد ومنارة من منارات سيرتها العطرة . فرد عليه صالح الفوزان، وهو من رموز السلفيين، بمقالة في العدد الصادر بعد اسبوع مبررا تلك العملية.
وقام الوهابيون بهدم قبة قبر الحمزة بن عبد المطلب، وازالوا مقبرة شهداء أحد، وأزالوا طريقي بدر وأحد. وثمة نقاش محتدم في الفترة الاخيرة حول التوجه لهدم غار حراء الذي كان الرسول يتعبد فيه قبيل نزول الوحي عليه. هذا الغار ليس سوى تجويف صخري في الجبل، ولا يحتوي على شيء بشري، سوى انه يرمز الى رسول الله وتعبده الى الله قبل البعثة. وقبل اربعة اعوام تم إزالة أحد المعالم الدينية والمراكز الإسلامية الأثرية في المدينة المنورة بالسعودية. وذكرت المصادر القريبة من الحدث بأن جرافات ومعدات عديدة قامت في صباح يوم الاثنين الموافق 12/8/2002م بالتجهيز لهدم مقام السيد علي العريضي (766 ـ 825م). وهناك الآن اجازة بهدم قبر الصحابي رفاعة بن رافع الزرقي وهو ممن شهد بدراً، وأحداً والمسجد القريب منه المعروف باسم الكاتبية، ويتوقع هدم المبنيين قريبا. ومذذ عهد الملك عبد العزيز دار نقاش حول مكان مولد النبي، واتخذ قرار بازالته، ولكن الخشية من ردة فعل عارمة دفعتهم لبناء مكتبة عليه، وفي الاسابيع الاخيرة هناك محاولة لإزالة الموقع تماما. وهناك ايضا خطة لفصل قبر النبي عن المسجد النبوي، وقد بدأوا بتهيئة الاجواء لذلك، بغلق بعض الابواب بين المكانين. اما الكعبة الشريفة فهي الأخرى لم تسلم من العبث، فقبل بضعة أسابيع تمت مصادرة ما بداخلها من آثار تاريخية لا تقدر بثمن، ومنها الستائر والكتابات المنقوشة بالحرير.
في 25 آب/ اغسطس 2005 نشرت قناة العربية علي موقعها مقالا مهما بعنوان مشروع تخطيطي جديد في المدينة المنورة يثير حفيظة المهتمين بالآثار، مؤرخون ومفكرون يدعون لمراجعة قضية هدم الآثار في مكة والمدينة . وجاء في المقال ما يلي: تثير المخططات الجديدة في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حفيظة المؤرخين والمهتمين بالآثار في المملكة العربية السعودية لبترها معالم أثرية وتاريخية هامة يرون أن وجودها لا يمكن أن يؤدي لبدعيات أو الي التبرك بها. ورأى المفكر المعروف الدكتور أنور عشقي في اتصال هاتفي أجرته معه العربية.نت أنه يجب دراسة قضية الآثار بعمق ووضع خطة متكاملة لها وليس علاجها بمعاول الهدم. وقال إنه ليس هناك مبرر للادعاء بأن الأثار الباقية في المدينة المنورة وهي لا تزيد عن 10% مما كان موجودا قبل توسعة الحرم النبوي الشريف، ستؤدي إلى بدعيات أو إلى التبرك بها.
بينما طالب الدكتور سامي عنقاوي الباحث المتعمق في أثار مكة والمدينة ومدير أبحاث الحج السابق برؤية شاملة لعلماء الأمة، مؤكدا أن آثارا قليلة جدا قد بقيت، وان استمرار الهدم يطمس تاريخنا وحضلرتنا . وكانت جريدة الوطن السعودية قد نشرت الخميس 25/8/2005 بأنه بات من المؤكد أن يأتي مخطط المدينة الاستراتيجي الذي تنفذه أمانة المدينة المنورة علي أحد أهم الأحياء التاريخية فيها. وقالت إنه لم يتبق سوى بضعة أمتار يتوقع لها أن تلتهم في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة معالم حي الشريبات التاريخي الذي يختزل حزمة واسعة من المواقع الأثرية المرتبطة بالسيرة النبوية، والتي يعدها المؤرخون شاهدا حيا على عظمة الدولة الإسلامية الأولى، عندما كانت المدينة المنورة عاصمتها الأولى.
لقد استطاع عبد العزيز بن سعود توحيد اقاليم الجزيرة العربية في دولته السعودية الحالية، ولكنه أقامها على أرضية دينية تتبنى المذهب الوهابي، الامر الذي ادي الي تدمير اكثر من 90 بالمئة من الآثار التاريخية القيمة في هذه الارض. انه منطلق ديني أصبح يضغط علي العلاقات بين الأقاليم المنضوية تحت الحكم السعودي. فالحجازيون هم الخاسر الاكبر دينيا وسياسيا من عمليات الهدم هذه. فأغلب الآثار الاسلامية كانت موجودة في اقليمهم، ويرون في تدميرها محاولة لازالة تراثهم التاريخي الديني، علي ايدي النجديين. ويلاحظ الحجازيون ان منطقتين وحيدتين لم تطلهما ايادي الهدم. فمنطقة خيبر ما تزال تحتوي على آثار مرتبطة بتاريخ اليهود. كما تتم المحافظة على آثار الملك عبد العزيز بن سعود وتعتبر تراثا وطنيا. فحصن الرياض يحظى برعاية خاصة، وكذلك قلمه وسيفه ونظارته. وهكذا تبدو القضية بعيدة عن الدين، وأكثر ارتباطا بصراع الهويات، وهو صراع مفتوح بآفاق واسعة.
ان من الصعب التمييز بين ما هو ديني وما هو سياسي في مملكة عبد العزيز بن سعود، ولكن ما هو واضح ان غفلة المسلمين وانشغالهم بأوضاعهم السياسية أتاحت للحركة السلفية الوهابية فرصة الانقضاض على ما تبقى من آثار اسلامية في الجزيرة العربية، وانتقلت الى العراق، حيث تم تدمير ضريح العسكريين في مدينة سامراء. ولا يستبعد ان تكون مساجد اخرى على قائمة الهدم، كما فعل الوهابيون عندما هاجموا العراق في 1816 وهدموا قبة قبر الامام الحسين ونهبوا محتويات الضريح. فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أخطر الوضع الذي بدأ بعض الاعلاميين السعوديين الجريئين في قرع أجراس الانذار بشأنه. ان المسألة ليست شأنا سعوديا، بل هي شأن المسلمين الذين يرون تاريخهم تدمره معاول الهدم بلا وازع من ضمير، ولا مانع من قوة سياسية.
فالامة التي لا تاريخ لها لا حاضر لها ولا مستقبل. ومن الخطأ الكبير تشويش الافهام بادعاء ان الحفاظ على التاريخ وآثار السابقين ضرب من البدع والشرك، فان وراء الأكمة ما وراءها، ووراء هذا الادعاء أجندة سياسية خطيرة، يجدر بالمسلمين قراءتها بوعي لكي لا يفاجأوا بما لا يحبون.
د. سعيد الشهابي
===============================================================
================================

بين القدس ومكةّ.. ثقافة الجرّافات بين تل أبيب والرياض



صورة بالغة تحكي قصة زوال تاريخ وحلول آخر لا ينتمي إلى التربة التي حضنت صفوة الخلق، وفيما يزحف الحجر المستورد كيما يشكّل المشهد الجديد في المدينة المقدّسة، تعمل آلة الدمار بكل شراسة على هدم بقية آثار لنا تركتها أجيال يتقدّمهم جيل الصحابة الأوائل، وأهل البيت النبوي، وتتلوهم أجيال من القادة والزعماء والعلماء والوجهاء الذين وضعوا بصمات لافتة في سجّلنا التراثي وذاكرتنا التاريخية المفعمة بكل أشكال العز والفخر. كل شيء بات تحت طائل الإندثار في الديار المقدّسة، حيث تتسلل أذرعة الحقد لطمس كل ما له صلة بتربتنا، وصخرنا، ومناخنا، ومياهنا، وسنحتنا، وذاكرتنا، وشمسنا وشجرنا، بمعنى آخر طمس ما هو في تاريخنا التليد من آثار الرجال العظام، وعبقات الدين المجيد.
صورتان تفاجئان الزائر للمدينتين المقدّستين: الأولى تتمثل في ارتفاع المبانى وناطحات السحاب التي تكفّلت بناءها شركات أجنبية بوجوه محلية وعربية، مبانٍ تتربص بالبيت العتيق، وتحيط به من كل جانب، والأخرى تتمثل في صورة الجرّافات التي تذّكرنا بجرافات العدو الإسرائيلي وهي تهدم بيوت السكان الأصلييين، وتزيل الآثار الدينية المحيطة بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.
منذ أكثر من عقدين، تعمل في قبلتي المسلمين الأولى والثانية آلتان بلا توقّف، فالجرافات التي تهدم آثار الإسلام في مكة المكرمة بمثابة رجع صدى لصرير الجرافات الإسرائيلية وهي تمدّ ذراعها التدميرية لتخترق المساكن من سقوفها وتهدّها على رؤوس أصحابها أو تضعهم في قائمة المشرّدين..
في مكة المكرمة، الجرافات تمارس وظيفة مماثلة حيث يرغم فرقاء الشر الأهالي على إخلاء مساكنهم عنوة مع ترضية زهيدة، أو مصادرة أملاك السكّان، أما ما يخص آثار المسلمين من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وبيوت زوجاته، وأهل بيته وصحابته، فإن الجرافات العمياء تغرز مزنجرة في جذور وعينا التارخي، فلا يبقى منه إلا ذكريات في صدور الرجال وعقولهم ممن حوّلوا أنفسهم إلى صندوق أسرار متنقل، وحرّاس على ذاكرة الأمة، يخافون أن يتخطّفهم الموت من بيننا، فتضيع آثار ليس هناك دليل على أماكنها سوى هؤلاء الرجال الأوفياء الذين يفترسهم الألم وهم يشهدون عملية محو منظّمة لتراث أمة بأسرها.
إن ثمة شبهاً واضحاً بين الجرافات الإسرائيلية ونظيرتها السعودية، فالوظيفة واحدة، والغاية أيضاً واحدة، فالهدم دالة على تلك الجرافات المجنونة التي تقتلع كل ماهو راسخ في تربة الآباء والأجداد، وبقع مشى عليها الأنبياء والصالحون، تختفي فجأة فتحيل الوجود التراثي الممتد في عمق الأرض إلى مجرد غبار يتطاير وأحجار تتبعثر لا تلبث أن تتكوّم في شاحنات أعدّت لنقلها بعيداً تمهيداً لغيابها النهائي عن الأنظار.

عين حاقدة على المرقد النبوي الشريف

ما فتيء المتشدّدون الوهابيون يعقدون النوايا ويحيكون الخطط القديمة المتجددة لهدم القبة النبوية الشريفة، وإزالة المرقد النبوي من داخل المسجد، إنه مخطط شغل ذهن الوهابيين منذ أن أعملوا آلات الهدم في الآثار الإسلامية بعد اجتياح المدينتين المقدّستين عام 1804م. حتى اليوم، فإن ثمة نيّة مبيتة لهدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، مخطط يبدأ بهدم القبّة النبوية الشريفة وإخراج قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم من المسجد وتحطيم ضريحه ومنع الناس من زيارة قبره الشريف. نيّة أعلن عنها الوهابيون صراحة ووقف عليها كثير من المطّلعين على وقائع الغزو الوهابي للحجاز. فقد ذكر الجبرتي في تاريخه أنهم حاولوا أن يهدموا قبة النبي صلى الله عليه وسلم غير أن الضغوطات التي لقوها من قبل المسلمين حالت دون تنفيذ آل سعود هذا الإجراء الغاشم.
وكتب دوايت دونادلسون في سنة 1933:(..كان علماء الدين الوهابيون تواقين الى تهديم القبة ـ التي على مسجد الرسول ـ وإعادة بناء الحرم الشريف من دون إدخال القبر فيه، لكن إبن سعود إستعمل دهاءه السياسي للحيلولة دون ذلك، لئلا يثير عليه عداء العالم الإسلامي كله، وبذلك سلم قبر الرسول من العبث، ولكن حماسة الوهابيين الدينية سمح لها بأن تمارس ما تريده من العنف في تخريب الأضرحة والقبور الموجودة في البقيع).
ونقل أحد علماء الحجاز عن خطيبٍ وهابي في الحرم النبوي الشريف في نهاية السبعينات وهو يتحدث بحرقة وحسرة ويقول (كان علينا أن نمنع الناس عن هذا المكان ولكن ماذا نصنع وقد غلب على أمرنا).
ثم تعبر الوهابية صراحة عن موقفها عبر أحد الاقلام الحاقدة، فقد قامت إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، برئاسة المفتي السابق الشيخ عبد العزيز إبن باز، بإصدار إذن تحت رقم 4411/5 بتاريخ 11/7/1400هـ لطباعة كتاب (تبديد الظلام وتنبيه النيام) لكاتب وهابي مقرّب من العائلة المالكة يدعى إبراهيم سليمان الجبهان والذي كشف فيه عن نوايا مبيّتة لدى الوهابيين مؤكداً على المخطط الوهابي ـ السعودي الرامي الى طمس معالم قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول هذا الكاتب: (نحن لاننكر أن بقاء البنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف لما أمر به الرسول) !!، ويضيف قائلاً (وإن إدخال قبره في المسجد ـ أي المسجد النبوي ـ أشد إثماً واعظم مخالفة)، وينتهي للقول بأن (سكوت المسلمين على بقاء هذه البنية لايصيرها أمراً مشروعاً)، (المصدر الطبعة الثالثة ص 389).
إذاً، هكذا يعبّر الوهابيون عن تقديرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاندري ماذا يضمر الوهابيون لقبر اسماعيل عليه السلام وإمه هاجر وهو في قلب المسجد الحرام وفي جوار الكعبة فهل المخطط الوهابي سيطال الكعبة ايضاً؟!! أهكذا يكرّم أفضل الإنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وهو ملاذ المسلمين ومنار العالمين ومنبع هداية المصلين ومنهل للمتعطشين وكهف الحائرين، وفي محضره الشريف يزدحم التائبون وتتقاطر على مرقده الشريف جموع المسلمين من أرجاء المعمورة كافة.
من المثير للغرابة والدهشة، أن آل سعود جهدوا في حفظ بعض الآثار غير الإسلامية، ومنها حصن كعب بن الأشرف رأس اليهود الذي اغتاله أحد الصحابة والتي كانت تدار في هذا الحصن المكائد والمخططات ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضد الاسلام… قام آل سعود بحماية وحفظ هذا الحصن ونصبوا جنب هذا الحصن قطعة كتب عليها: ( تحذير. منطقة آثار: يحظر التعدي عليها تحت طائلة العقوبات الواردة بنظام الآثار بالمرسوم الملكي رقم و/26 وتاريخ 12/6/1392هـ).
وفي الوقت الذي يطلق آل سعود أيدي أنصارهم من الوهابيين لتهديم جميع الآثار الاسلامية في طول الجزيرة العربية وعرضها يقوم برصد مبالغ طائلة لحفظ آثار أسرة آل سعود، فقد انشأوا لهذا الغرض مؤسسة ضخمة تحت إسم (دارة الملك عبدالعزيز)، لحفظ آثاره الشخصية كسيوفه وخواتمه وساعته وأسلحته التي استخدمها وسيارته الخاصة وسرير نومه وحتى ألبسته، وقد أنشئت هذه المؤسسة بقرار ملكي صادر في 5/8/1392هـ..
وجاء في المادة الثالثة لنظام إنشائها (تقوم الدائرة تحقيقاً لأغراضها بالأمور التالية: (وإنشاء قاعة تذكارية تضم كل ما يصوّر حياة الملك عبدالعزيز وآثار الدولة السعودية منذ نشأتها). وقد رصد لهذه المؤسسة ميزانية ضخمة ويوجد مقر كبير لها ومجلة بإسمها (مجلة الدارة)، كما يقام مهرجان سنوي باسمه لمدة إسبوع تحت اشراف المؤسسة، كما أنفقت الحكومة السعودية مبلغ 12 مليون ريال سعودي لصيانة قلعة واحدة في الدرعية كان لها دور في قيام الدولة السعودية.
أما آثار الإسلام في المدينتين المقدّستين فلم يبق منها الآن حسب المعماريين الحجازيين سوى 5 بالمئة، فقد أزالت الجرافات الوهابية السعودية الآثار الإسلامية، وأصبحت هناك مهمة أخرى قديمة تتجدد بمرور الأيام، وهي هدم القبة النبوية وإزالة القبر الشريف من المسجد النبوي.
وآخر ما صدر عن المتزمتين في هذا الشأن، قد بسطه الكاتب عبد الله الشريف في مقالة له بعنوان (المسجد النبوي ووهم الوضع الخطأ!) والذي نشرته صحيفة (المدينة) في 25 أغسطس الماضي. يعقد الشريف في مقالته مناظرة مع أولئك الذين مازالوا مسكونين بوهم عقدي.
ويقول: حينما توجَّه الأسئلة لمن يُظَن أنه أهل للفتوى، وهي تحمل في طياتها إما الإجابة المباشرة على السؤال، وغاية الطرح أخذ الموافقة عليه ممن يظن السائل أن إجابته أدعى للقبول، أو تشتمل على موقف هو في حد ذاته فتوى، يوحي به السائل لما يريد من المفتي له أن يجيبه به، فيتهم تيارًا أو جماعة بما ينفر عنها وعنه مما يدخل في نطاق المخالفات الشرعية، ليسمع ممن وُجِّه له السؤال قدحًا فيها وفيه، فالواجب على من وُجِّه إليه السؤال ألا يبادر بإجابة تحقيق رغبة السائل، وإنما عليه أن يرشده إلى أدب المستفتي الذي يسأل عنه ما يجهل أو ما يستشكل من مسائل العلم، ولا يجد عنده وضوحًا لها، فمثل من يطرح أسئلة كهذه لم يستفتِ في أمر يجهل الحكم فيه، ولديه إجابة جاهزة له.
فهذا اللون من الأسئلة في ما أظن إنما تفرزه ثقافة يراد لها أن تسود، عندها لكل سؤال جواب حاضر، مهما كانت القضية المعروضة شائكة ومعقدة، ومن هذا اللون سؤال استمعت إليه وأصغيت إلى إجابته في رحاب المسجد النبوي الشريف، حيث توجهت إلى مكان من المسجد قصي في التوسعة الأخيرة قريبًا من باب مكة لأداء صلاة العشاء، فتناهى إلى سمعي عبر مكبرات الصوت صوت شيخ يلقي درسًا، فلما انتهى من درسه قرب أذان العشاء بدأ في الإجابة على أسئلة رواد حلقته مستمرًا فيها حتى بعد رُفع أذان العشاء، وقد تكرر ذلك أيامًا متعددة، بحيث يشوش على المصلين والذاكرين إنتظارًا لصلاة العشاء، خاصة أنه يأتيهم عبر مكبرات الصوت، فهم مرغمون على الإستماع إلى ما يلقي الشيخ على تلاميذه، والذين لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليدين إلا قليلاً.
المهم أني استمعت معهم مرغمًا إلى العديد من الأسئلة التي لها ذات الصيغة التي تحدثت عنها آنفًا، والإجابات المؤيدة لها، وكان أعظمها جرأة ما طرحه أحدهم كسؤال على الشيخ مستفتيًا عن ما نعته بالخطأ الجسيم الذي وقع قبل نهاية القرن الأول الهجري بإدخال قبر الرسول الكريم سيدنا محمد بن عبدالله إلى المسجد.
وتساءل: ألم يحن الوقت لتصحيح هذا الخطأ؟ وهو سؤال كما ترى اشتمل على جواب اقتنع به السائل وهو أن إدخال القبر إلى المسجد خطأ، وأن الخطأ يجب أن يزال، وإنما وجَّه السؤال ليحظى بما يؤيد موقفه المسبق من المسألة، ولكن من وُجِّه إليه السؤال لم يعترض على صوغه بهذه الصورة، وإنما وافق فوراً على مضمونه معتبراً أن إدخال حجرات أزواج النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خطأ، وأن وجود القبر الذي هو في إحداها وهي حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بدعة إجترحها الأولون، وزعم أن من توافر آنذاك في المدينة من فقهاء التابعين إنما سكتوا دفعًا للفتنة، وذكر معلومة لم أسمع بها من قبل أن بعضهم قد قُتل لاعتراضه على ذلك، بل وطالب ولاة أمر هذه البلاد بأن يصححوا وضعاً اعتبره خطأً فيخرجوا القبر من المسجد، ودعا لهم أن يوفقوا إلى ذلك، وهكذا أسئلة والإجابة عليها بهذه الصورة أمر غريب يُسمح بطرحه في أحد الحرمين الشريفين؟ وهو يمتلئ بضيوف ووفود من جل أقطار العالم جاءوا للعمرة والزيارة ويسمعون ذلك عبر مكبرات الصوت فيظنون أن هناك توجيهًا رسمياً وشعبياً في هذا الوطن لتغيير وضع الحرم النبوي الشريف، الذي ظل عليه ما يقارب ثلاثة عشر قرنًا ونصف القرن، خاصة وأن الشيخ المتحدث زاد حديثًا عن ما أسماه بدعة القبة الخضراء، ونادى بتصحيح كل هذه الأخطاء المزعومة.
ونحن نعلم يقينًا أن بيننا من يعتنق مثل هذه الأفكار ولكننا نجزم أنهم أقلية، وهذه الأفكار إذا طرحت علناً في الحرمين الشريفين تناقلها زوارهما وبلغت الآفاق، وتكرار طرحها باستمرار أزعم أن صداه غير مرغوب فيه، ولا أحد في هذا الوطن يسعى إليه، فهلا كف هؤلاء عن ترديد مثل هذه الأقوال التي ضررها ـ ولاشك ـ على بلادنا عظيم، ونصيحتنا لهم أن يتداركوا أخطاءهم حتى لا يثيروا فتنة، فلعلهم يقبلون النصيحة، فقضايا الأمة التي يحتاج العلماء أن يتحدثوا فيها لا حصر لها مما له نفع يعود على المسلمين.. فهلا شغلوا أنفسهم بها؟ ذاك ما نرجوه والله ولي التوفيق.
ما لم تسمح به مساحة التعبير في الصحيفة، وما انطوت عليه عبارات الشريف في مقالته وهو يستعرض ما جاء على لسان السائل والمجيب في موضوع القبة النبوية الشريفة وقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، هو أن الهدم تحوّل الى ثقافة لدى الأقلية الوهابية، ومن الغريب أن سيرة السلف الصالح لم يتم اعتمادها في هذا المقام، بالرغم من أن وجود القبر داخل المسجد كان منذ القرن الهجري الأول، فهل الموقف الوهابي يبطن تخطيئاً وتأثيماً لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم!
محمد قستي
========================================================================================

معالم وآثار القطيف

معالم وآثار قطيفية مهاجرة

فلا تكاد حملة حفريات تنقيبية أجنبية أو محلية تخفق من الإكتشافات الأثرية كما حدث في جاوان وتلال جزيرتي تاروت ودارين والزارة والبدراني وشمال غرب القطيف وغيرها.
لقد تبعثرت تلك الآثار في أنحاء العالم وبعضها يتداول بها بين الهواة المحليين كما وقد تعرضت تلك المعالم الأثرية للاندثار جراء الإهمال والهدم واستغلال أراضيها بالإضافة إلى السطو والسرقات العالمية ويشهد بذلك وجود الكثير منها في عديد من المتاحف العالمية.
لقد أثرت القطع الأثرية القطيفية كثيرا من المتاحف المحلية منها والعالمية؛ فلا يخلو متحف من متاحف الخليج منها وغالبية متاحف المملكة الكبرى ناهيك عن المتاحف الشخصية التي يقتنيها أفراد المجتمع القطيفي والتي تغص بتلك القطع الأثرية.
أما المعالم الأثرية فهي واقعة بين مطرقة الإهمال وسندانة الإزالة والتخريب. فلا يتردد مقاول – مثلا – في أن يزيل معلما أثريا مهما بلغت أهميته حين يتعارض مع مصلحته الشخصية في سبيل تسهيل أمور أعماله طالما أنه يعلم أن الجهات المختصة في هذا الشأن لن تحرك ساكنا بعد فوات الفوت وأنه ليس بيدها إرجاع ما مضى. وهناك الكثير من المعالم التي أزيلت جهلا بقيمتها الأثرية العالمية كجبل البراق بالجارودية وجبل الحريف بقرية الحريف المتاخمة للعوامية وهما مرتفعان صخريان زاخران بالمنحوتات القديمة لأشكال بعض الحيوانات والشخصيات بشكل متقن يرجع تاريخها لآلاف السنين. ويقاوم جزء صغير من جبل القرين بغرب سيهات كل التحديات ويشق عباب الزمن ليبقى صامدا حتى أيامنا هذه، فمن حسن حظه أنه واقع ضمن أملاك خاصة في وسط مزرعة وهو ذو شقوق محفورة تشبه اللحود ولكنها تأخذ اتجاهات مختلفة على غير عقيدة الإسلام كما أنها أصغر من جسم الإنسان فلعلها كانت أماكن تستخدم لحفظ الثروات فيها أثناء الحروب أو لعلها فعلا قبور يرجع تاريخها إلى ماقبل الميلاد حيث كان يتم الدفن على هيئة القرفصاء في العصور الدلمونية.
وهناك العديد من المرتفعات الأثريه الأخرى كجبل أبو الشوفات المليء بالقطع الأثرية من الذهب والفضة التي كانت تحفظ فيه كمستودعات لمنع وصول الأيدي العابثة بغية السطو والنهب أثناء الحروب وذلك في الأزمنة الغابرة، بالإضافة إلى العديد من المرتفعات كجبل المصرانية وأبو العصافير المحيطين بأخوار الأوجام وغيرهما.
وأما إزالة الأحياء القديمة وبيوتها ذات الطابع المعماري المميز بفنونه المتقنة الراقية، فلها شجونها التي تصحبها آلام تدمي القلوب كما هو الحال في إزالة بيوت أحياء قلعة القطيف الأربعة الزريب والخان والسدرة والوارش وكذلك إهمال بيوت الديره بتاروت دون أن يسمح حتى لأصحابها بالقيام بترميمها لتكون صالحة للسكن ولتعطي منظرا جذابا للزائرين من السائحين.
أما الآفة الأخرى التالفة لتلك الآثار فهي إعدام المعالم الأثرية وهي واقفة مكانها دون مبادرة تلك الجهات المعنية في الشروع في ترميمها أو حتى السماح لتدخل أي جهة تطوعية – من الأهالي مثلا – للقيام بترميمها أو حتى السماح لزيارتها كمعلم سياحي أو السماح لأي باحث أن يقوم بإلقاء نظرة دراسية، فتظل مسيجة وتحت رقابة مشددة حتى تؤول في النهاية إلى السقوط كما هو الحال في قلعة محمد بن عبدالوهاب الفيحاني بجزيرة دارين وحمام تاروت بجزيرة تاروت وحمام أبو لوزة وماتبقى من آثار وعيون القطيف التي بدأ نضوب مياهها منذ عشرين عاما بسبب الجور في سحب مياهها وكذلك التلال الأثرية والتي بقيت جميعها تحت الإقامة الجبرية وهي مسيجة لقرابة الثلاثين عاما دون التنقيب وإظهار المعالم المدفونة تحت ركامها.
وأما مواسم هجرة أسراب الوثائق والقطع الأثرية من أرض القطيف إلى دول الخليج ودول الغرب وغيرها إما اقتناء عن طريق شرائها بأثمان بخسة من الهواة أو عن طريق استعارتها من متاحفنا لمدة معينة ثم تمدد تلك الإستعارات إلى آجال غير مسميه.
والغريب في الأمر أنه يستعاض عنها بقطع منسوخة منها كطبق الأصل لتعرض بدلا من القطعة الأصلية بينما نجد القطعة الأصلية تنعم بعرضها المتاحف الغربية تحت تعاريف مبهمة ومسميات غير كافية التفاصيل كما هو الحال لتمثال عشتار المتربع هذه الأيام وسط اشهر قاعة في متحف الميتروبوليتين بنيويورك «Metropolitan museum of art and natural history in New York» إن العثور على القطع الأثرية بشكل متوال سواء من قبل الهواة أو عن طريق الصدفة أثناء الحفر لغرض البناء أو غيره لتؤكد استمرارية الاكتشافات الأثرية وبعثرتها على أيدي من لا يقدر لها ثمنا، فحق علينا إذاً أن نسعى في إيجاد صرح يحفظ تلك المعالم والقطع الأثرية حيث وجدت وفي نفس موطنها لتكون أعشاشا تستقر فيها هذه الطيور المهاجرة دون الحاجة لإشخاصها لأي مناطق أخرى فتشتتها الهجرة وتمحو معالمها الغربة ففي ذلك نفيها والقضاء على هويتها، أما آن الأوان لرجوع الطيور المهاجرة لمواطنها الأصلية؟
فكما أن الطير لا يستقر إلا في بيئته التي نشأ فيها، فكذلك لايمكن قراءة تاريخ المعالم والآثار بشكلها الصحيح إلا إذا كانت مستقرة في موطنها الأصلي.
كتبه عبد الرسول الغريافي 

Aucun commentaire: